«عهدٌ» سعودي في جنوب اليمن: إرهاصات سلام أم بوادر حرب متجدّدة؟
يمانيون../
يرتّب «التحالف» الذي تقوده السعودية لمرحلة جديدة في اليمن، بدأت معالمها بالتشكّل مع انسحاب القوات الإماراتية من المحافظات الجنوبية لتحلّ محلّها نظيرتها السعودية، وتُستكمل اليوم بإرساء تسوية سياسية بين حكومة عبد ربه منصور هادي و«المجلس الانتقالي». «عهدٌ» جديد يبدو أن «التحالف» يستهدف من خلاله توحيد جبهته قبيل الدخول في مفاوضات سياسية، من دون أن ينفي ذلك احتمال عودة التصعيد مجدداً.
دشّن التحالف السعودي – الإماراتي في اليمن عملية إخلاء وتبادل واسعة لقواته في المحافظات الجنوبية، لأول مرة منذ بدء الحرب قبل أكثر من 4 سنوات. عملية تأتي بعد شهرين من اندلاع المعارك في تلك المحافظات بين حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي المدعومة من الرياض، وبين «المجلس الانتقالي الجنوبي» الموالي لأبو ظبي. وبالتزامن مع سير المفاوضات في مدينة جدة بين الطرفين، بدأت دولة الإمارات سحب قواتها المتمركزة في قاعدة العند العسكرية في محافظة لحج، وخفّضت عديد تلك المتواجدة في محافظة عدن، لصالح القوات السعودية التي وصلت السبت الماضي في مَهمة سدّ الفراغ.
هذه الخطوات يبدو أنها تندرج في إطار تنفيذ مقررات مؤتمر جدة التي لم تُعلَن بشكل رسمي، فيما تمّ تداول مسودة لها فقط، تنصّ على تشكيل حكومة مناصفة بين الجنوب والشمال، وتمكين قوى الحراك الجنوبي المطالب بعودة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل عام 1990 من المشاركة في الحكومة بعدد من الحقائب، ودمج الميليشيات التابعة لدولة الإمارات، وعديدها يفوق 90 ألفاً، ضمن مؤسستَي الدفاع والداخلية التابعتين لحكومة هادي، وعودة الأخير من الرياض إلى عدن.
مقرراتٌ يظهر أن «التحالف» يسعى من خلالها إلى التوفيق بين القوى الموالية له في الجنوب، وتشكيل فريق سياسي موحّد من أجل الذهاب إلى مفاوضات السلام الشامل التي ترعاها الأمم المتحدة بين «التحالف» و«أنصار الله»، خصوصاً وأن الرياض لا تزال ترسل في العلن إشارات متتالية إلى رغبتها في إنهاء الحرب، أو على الأقلّ إرساء هدنة طويلة الأمد، وذلك بعد استهداف الجيش اليمني واللجان الشعبية المنشآت النفطية السعودية، فضلاً عن توغلهما في الحدود الجنوبية للمملكة.
يسعى «التحالف» إلى التوفيق بين القوى الموالية له وتشكيل فريق سياسي موحّد
في هذا الإطار، يرى القيادي في «مجلس الإنقاذ الوطني» المُشكّل حديثاً، محمد سكين، في حديث إلى «الأخبار»، أن «تخريجة الاتفاق بين الحكومة والانتقالي تصبّ في اتجاه الذهاب إلى تسوية شاملة، خصوصاً وأن التحالف لا يريد الدخول في مفاوضات مباشرة مع حركة أنصار الله من دون حلّ الإشكالية بين حلفائه في الجنوب»، معتبراً أن «المشهد في اليمن بعد أكثر من 4 سنوات على الحرب يميل لصالح حركة أنصار الله، سواء من حيث الفعل السياسي أم من خلال العمل العسكري، الأمر الذي يُرغم التحالف على تقديم تنازلات».
في المقابل، يستبعد محلّلون أن تكون السعودية ساعية حقيقةً إلى إنهاء الحرب، بقدر ما تريد ترتيب أوضاع القوى الموالية لـ«التحالف» من أجل الذهاب إلى تصعيد جديد في مواجهة «أنصار الله»، بعدما بدا في خلال الأسابيع الماضية أن باب المفاوضات عاد لينفتح مع الحركة.
وفي هذا الاتجاه، يعرب السياسي اليمني، أزال الجاوي، في حديث إلى «الأخبار»، عن اعتقاده بأن «المفاوضات هدفها ترتيب الوضع السعودي في الجنوب، وحلّ الإشكاليات بين الحلفاء الموالين للرياض وأبو ظبي، والتي أضعفت جبهة مواجهة الحوثيين وضاعفت مأزق التحالف في اليمن»، معتبراً أن «نجاح السعودية في طبخ تسوية بين حلفائها في الجنوب سيُمكّنها من فتح جولة جديدة لمواجهة الحوثيين». لكن في الوقت نفسه، يرى الجاوي أن «التحالف يسعى إلى هدنة مع الحوثيين، ولعلّ أبرز أسبابها انشغال الموقف الأميركي والبريطاني المساند للتحالف بسبب الانتخابات الأميركية وموضوع بريكست البريطاني».
في الاتجاه نفسه، يرى بعض المراقبين أنه على رغم التصريحات السعودية المتكررة عن الرغبة في التوصل إلى حلّ سياسي في اليمن، إلا أن الرياض لا تزال تضع رهانها على الخيار العسكري. ويستدلّ هؤلاء على تقديرهم بعدة مؤشرات من بينها تقلّد الأمير خالد بن سلمان مسؤولية الملف اليمني، والتصعيد على جبهات صعدة حيث تلقّت السعودية أخيراً هزيمة جديدة قامت على إثرها بنشر ألوية إضافية على الحدود، فضلاً عن إشراف خالد نفسه على هندسة التسوية السياسية بين حكومة هادي و«الانتقالي»، والتي سيتمخض عنها – بحسب هذا الرأي – توحيد القوات الأمنية والعسكرية، وتوزيعها على جبهات القتال مع «أنصار الله».
(أحمد الحسني – الأخبار)