مطلوب سلام الشجعان!!؟
أحمد يحيى الديلمي
على خلفية المبادرة الشجاعة التي أطلقها الرئيس مهدي المشاط ، تصاعدت التحليلات والرؤى السياسية المختلفة وظلت تناقش الموضوع من زوايا بعيدة كل البُعد عن الواقع ولم تصل إلى حقيقة ما يجري ، الكل مشعب في إيران بنوايا مبيتة لم يستوعبوا الأبعاد التاريخية الناتجة عن طبيعة العداء المتأصل بين اليمن والسعودية ومستويات الدفع الأمريكي بما قادت إليه من خيانات هدامة وحلقات تآمر مريبة ، لذلك أجد لزاماً عليّ أن أوضح الصورة للتعريف بأبعاد الخلاف والنوايا المبيتة التي جعلت أول شرارة للعدوان على اليمن تُعلن من أمريكا.
وعندما نعود بالذاكرة إلى الماضي القريب نجد أن الأحلام الجميلة تبددت بعد أن تراكمت في الذاكرة فترة من الزمن عقب إعادة اللُّحمة بين أبناء الشعب الواحد بإرادة يمنية سلمية وقوة فولاذية مثلت نتاج طبيعي للتطور التاريخي والاجتماعي والسياسي المجسد لثقافة القيم الجمعية وروح الانتماء الصادق للوطن بقصد حماية الإنجاز العظيم والحفاظ عليه في حدقات العيون ، إلا أن الأشقاء في السعودية تنبهوا لهذه الحالة الإيجابية وما ترتب عليها من تراكم لعلاقات تاريخية سوية بين اليمنيين خوفاً من امتدادها إلى دول الجوار وإسهامها في خلق حالة انبعاث حضارية بما يترتب عليها من تداعيات وانعكاسات خطيرة على مصالح دول الغرب والهيئات الحاكمة في هذه الدول ، وهو ما جعل ردود الفعل كارثية وجسد التناقض الصارخ بين المواقف المعلنة والحقائق الماثلة في الواقع .
في كل الحالات كانت المساعي تحاول استقطاب أطراف الفعل إلى عتبات التحدي عبر تأجيج المناخ الطائفي تارة واستخدام الدين للاستغفال والتلهي بعواطف البسطاء تارة أخرى ، وبنفس الأساليب تعاطت المخابرات الغربية فكانت أكثر خداعا سياسيا إذ عمقت فكرة الانفصال من جديد برزت معها أحلام انتهازية تصاعدت منها روائح نتنة حمّلت إنجاز الوحدة كل المآسي والمشاكل التي يعيشها المواطن ، وجعلت الخيال الجامح يفرد أجنحته ويحلق بأمراء الحرب في مساحات الفراغ الهُلامي ، الكل يحاول إظهار صور البطولة ويدعي شرعية الوجود ، أي أن الرغبات المجنونة تكشفت لتكون نوايا الإلحاق والضم القسري هي الحقيقة التي لا جدال حولها إلى أن وضعت الحرب أوزارها ، عندها تضخمت ذات المنتصر ولكي يعزز مكانته إنقاد إلى مربعات التبعية المُهينة للآخرين وفي المقدمة السعودية ، لأنها استخدمت الكيد السياسي وأظهرت أنها حضن دافئ للعدو التاريخي الحزب الاشتراكي ، وكذلك فعلت الإمارات إلى أن سلم الطرف المنتصر وعاد إلى الطاعة وقبِل أن تتحول اليمن إلى حديقة خلفية للسعودية ، واليوم المشهد يُعيد نفسه فالأشقاء في السعودية مستعدون لأن يضحوا بحكومة الفنادق صاحبة الشرعية المزعومة إن وافق الطرف الوطني على الاستسلام وقبل بالوضع المُهين ، عندها سنجد أننا في قلب مشهد مختلف تماماً وهذا مستحيل أن يحدث .
وهنا يكمن الفرق بين المبادرة الوطنية التي أظهرت المصداقية وحسن النوايا وبين مبادرة المعتدي ، فالطرف الأول لم يحُس بنشوة النصر وامتلاك أسلحة نوعية غيرت المعادلة ولم يظهر القوة على التحكم في قواعد الاشتباك لكنه ينطلق بإرادة ذاتية تستند إلى خيارات الشعب ولا علاقة لها بأي طرف خارجي ، لكنها مغلفة بعنفوان الصمود والتحدي ورفض الاستسلام ، بينما المعتدي أظهر رد الفعل عبر تسريبات نشرتها الصحافة الأمريكية ليوحي أن القرار الفعلي في واشنطن وليس في الرياض ، وكأن الأمر عاد إلى بدايته مع ما رافق الاستجابة من اشتراطات مجحفة يصعب التعاطي معها ، مع ذلك سيظل الطرف اليمني في حالة تأهب إما بقبول عرض الطرف الآخر إن ظهرت الجدية وحسن النوايا أو بتوجيه ضربات أكثر إيلاماً إن حدث العكس ، وهذا يعني أن الكرة أصبحت في مرمى الأشقاء وعليهم الإمعان في قراءة المبادرة بوعي ومسئولية ليدركوا أن الشجاعة ليست في القتل والدمار وإنما البطل كما هو ثابت في موروثنا التاريخي الحضاري هو من يصنع السلام ويحقن الدماء لا من يُشعل الحروب ويزهق الأرواح ، إنها معادلة صعبة تتطلب سلام الشجعان .. وأرجو أن يفهمها من لا يزالون على نفس المنوال من المكابرة وليتذكروا قول الشاعر العربي :
إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها *** تذكرت القُربى فسالت دموعها
(اللهم أهد قومي فإنهم لا يعلمون) .. والله من وراء القصد ..