محلل سياسي أردني: الحرب اليمنية إذ تدخل فصلَها الأخير
يمانيون../
تنتهي الحروبُ، جميعُ أنواع الحروب، في حالتين اثنتين فقط: انتصار معسكر وهزيمة معسكر آخر، أَو وصول أطراف الحرب، إلى نتيجة مفادها استحالة الحسم العسكري، والتأكّـد من أن كلفة استمرار الحرب أعلى بكثير من كلفة إنهائها.. في “السيناريوهين”، كليهما، تتوقف الحرب دفعة واحدة، أَو على مراحل وبالتدريج، بالتفاوض وصولاً لاتّفاقات وتفاهمات نهائية، أَو بالإكراه والإملاءات التي يتعين على المهزوم أن يخضع لها.
في الحالة اليمنية، ليس هناك منتصر أَو مهزوم بالمعنى العسكري للكلمة.. البعض يجادل أنه بمجرد “صمود الحوثيين” في مواقعهم لمدة خمس سنوات، مع الفارق النوعي في ميزان القوى والتسليح العسكري بين الجانبين، يعد انتصاراً لأنصار الله.. والبعض الآخر يجادل، بأنه لولا “عاصفة الحزم”، لصارت إيران في نجران وعسير وجيزان، وأن التدخل العسكري السعودي – الإماراتي هو ما منع “سقوط” اليمن في القبضة الإيرانية.. بهذا المعنى، يرى أن نتائج الحرب في مجملها جاءت في مصلحة التحالف العربي بقيادة السعودية، وأنصارها من اليمنيين برئاسة عَبدربه منصور هادي.
في الحروب كذلك، ثمة نقاط تحوّل استراتيجية، لا يستقيم ما بعدَها مع ما قبلها.. كان يمكنُ لإخراج الحوثي من ميناء الحديدة أن يكونَ نقطة تحول كبرى في الحرب، لكن المهمة لم تنجز لسببين: مقاومة الحوثي الشرسة؛ دفاعاً عن المنفذ البحري الاستراتيجي الوحيد المتبقي له، واتّفاق ستوكهولم الذي أملته المعاناةُ الإنسانية الكارثية لليمنيين، خصوصاً في الشمال، والذي أوقف المعاركَ الكبرى في المدينة – الميناء وما حولها.
أما الهجماتُ على أرامكو، بقيق وخريص، ومن بعدها “أُمُّ المعارك” في نجرانَ مؤخراً، فهما نقطتا تحوّل استراتيجيتان على ضفة التحالف العربي في سياق حرب السنوات الخمس، سيكون لهما ما بعدهما كذلك.. إنهما -والقياس مع الفارق النوعي- تشبهان معركة ديان بيان فو بين القوات الفرنسية والقوات الفيتنامية، والتي انتهت عملياً بخروج الأولى من الحرب.
قد نشهد موجةَ تصعيدٍ جديدةً في الحرب اليمنية، لكن المرجح أن هذه الموجة ستكون ذات طابع انتقامي بالأَسَاس؛ وبهدف حفظ التوازن والاتزان.. لكن يبدو أن الحرب اليمنية قد شارفت على وضع أوزارها، وهي دخلت منذ أيام فصلها الأخير.. لم يبقَ أحدٌ لديه القناعة بالقدرة على الحسم العسكري، وإلحاق هزيمة نكراء بالطرف الآخر وفرض إملاءاته عليه.. لا حلَّ عسكرياً للأزمة اليمنية، شعار رفعته حتى بعض الأطراف التي تورطت في الحرب وحرضت عليها، قبل أن تؤثر السلامة وتقفز من سفينة التصعيد الجانحة.
حين تعجز المدافع والصواريخ عن حسم المواجهة في الميدان، يأتي دورُ الدبلوماسية، ويكتسبُ فرسانُها طاقةً إضافية لتكثيف حركتهم وحراكهم.. وحين تتعثر الدبلوماسية في إتمام بعض التفاهمات العالقة، لا بد من العودة إلى أزيز الرصاص وانفجارات القذائف والصواريخ.. تلكم هي المعادلة التي حكمت حروب البشرية جمعاء، من القدم وحتى يومنا هذا.
ليس سوى المكابرين والباحثين عن سلالم للهبوط من فوق قمم الأشجار التي صعدوا إليها من لا يزالون يتحدثون بلغة “الحسم العسكري”.. اليمنُ يثبتُ يوماً إثرَ آخر، أنه عصيٌّ على الابتلاع، وأنه قادرٌ على ابتلاع الموجات العاتية.. هذا هو تاريخُ اليمن، لمن يجيدُ قراءة التاريخ.. ومن مصلحة اليمن وجواره، ومن مصلحة الأمة العربية برمتها، أن يرتفع صوت العقل والحكمة، وإن متأخراً خمس سنوات: آن أوانُ وقف هذه الحرب القذرة.. آن أوان التوقف عن نحر اليمنيين والانتحار على أسوارهم.
بقلم الكاتب والمحلل السياسي الأردني/ عريب الرنتاوي ـ مدير عام مركز القدس للدراسات السياسية