المعلم اليمني في يومه العالمي .. حياة مصيرها الجنون
يمانيون -تقارير – متابعات
تحتفل بلادنا والعالم اليوم الخامس من شهر أكتوبر من كل عام باليوم العالمي للمعلم ، تكريماً لجهوده وتضحياته العظيمة في بناء المجتمعات الإنسانية ؛ فهو الصانع الأول لكل المبتكرين والمبدعين والساسة والمفكرين والعلماء في كل المجالات، وكل إنسان لا تستطيع ذاكرته أن تمحو معلمه الأول الذي صنع التأثير في حياته.
خلال الاربع السنوات الماضية شهد التعليم في اليمن انحدارا كبيرا واستطاعت “دول تحالف العدوان ” ان توجه ضربة موجعة باستهدافها لأكبر قطاع تنموي حيوي “قطاع التعليم” بطريقة ممنهجة من خلال هدم المدارس وتشريد الألاف المعلمين من مدارسهم.
ولهذا فالمعلم اليمني في عيده العالمي يختلف حاله عن بقية المعلمين في العالم؛ فهو يعيش حياة مريرة لا يصدقها عقل ، حيث اصبح عشرات المعلمين اليمنيين نتيجة العدوان يجوبون الشوارع لفقدانهم عقولهم ودخولهم دائرة الجنون بسبب الاوضاع الاقتصادية والانسانية المتردية و إنقطاع الرواتب لأكثر من ثلاثة أعوام .
وحول انعكاس الوضع الاقتصادي المتدهور ومدى أثره على سير العملية التعليمة اجرت السياسية الصادر عن وكالة الانباء اليمنية سبأ هذا الاستطلاع لمتابعة توالي الاوضاع المتردية للمعلم:-
الجنون هو المصير -:
تقول أم عمرو:” زوجي معلم ، وأب لخمسة أولاد ونظرا لانقطاع الراتب والظروف الاقتصادية التي نعيشها اصيب زوجي بحالة نفسية شديدة وهو الآن تائه في الشوارع .
ولا تختلف معها اروى -معلمة ايضا- حيث تقول اصبت بمرض عضال اضطرني الى بيع كل ما املك والان اعيش على المساعدات من ايادي فاعلي الخير والاحسان .
ويؤكد القول الاستاذ احمد بان زميله المعلم حميد توفي نظرا لأنه كان بحاجة الى عملية جراحية ولم يستطيع دفع تكاليف العملية .
الطرد من المنزل:
من الإرشيف
من جهتها تقول المعلمة نادية – مربية صفوف أولى- أعمل في سلك التعليم أكثر من عشرين عام، وذهابي إلى المدرسة ليس أكثر من إثبات حضوري خوفاً من الإحلال الوظيفي؛ فقد طردت من بيوت الإيجار مرتين .
وأضافت لقد جاءت صاحبة البيت إلى المدرسة متعمدة إهانتي أمام الكادر التربوي والطلاب؛ فأضطررت إلى أخذ أغراضي إلى احدى غرف المدرسة فيما ذهبت أنا وإبنتي إلى البقاء عند أقاربي .
وفي السياق ذاته يقول المعلم سعيد انه يخرج من بيته غير سعيد خوفا من لقاء صاحب البيت، لكن لا مفر في اخر يوم من الشهر اخرجه من منزله لعدم دفعه الايجارات المتراكمة وقام باحتجاز اثاث بيته حتى يسلم ما عليه من ديون .
فاقد الشيء لا يعطيه :
تقول احدى المدرسات ان المعلم يأتي مثقل بالهموم والضغوط النفسية والاقتصادية وهذا ينعكس سلبا على ادى الطلاب مؤثرا فى شخصيتهم نفسيا وثقافيا وخلقيا وإجتماعيا مما يؤدى إلى تنشئة جيل ضعيف متأخر فى كل الجوانب لأن فاقد الشيىء لا يعطيه .
وتابعت قائلة : كثير من المدارس تعتمد على المتطوعين الذين لا يملكون أدنى خبرة، وذلك بسبب عدم قدرة المعلمين الاساسيين على التواجد في أماكن عملهم بسبب انقطاع الرواتب مما يساهم في تشتيت الطالب في فهم المادة من معلم لآخر .
و من جانب آخر يقول مختار محمد المدرس باحدى مدارس الامانة ان عجز كثير من الآباء والأمهات عن تلبية أبسط الاحتياجات لأطفالهم، يضطر الأطفال إلى التهرب من الدراسة والبحث عن عمل.
واكد ان غياب المعلم يساهم في تلاشي التواصل النفسي بين المعلم و المتعلم ، وهذا يوصل رسالة غير إيجابية لدى الطالب بأن الغياب شيء عادي مما يؤدي الى تسرب الطلاب من المدارس .
البحث عن اعمال اخرى :
واشار بعض المدرسين انهم اضطروا الى ترك التدريس والتوجه صوب أعمال أخرى، فعملوا في المطاعم والمخابز وفي محلات تجارية مختلفة، وذلك من أجل إعالة أسرهم، بينما لجأ آخرون لتأسيس مشاريع وهذا انعكس سلبا على سير العملية التعليمية خاصة في القطاع الحكومي .
وعند سؤال الطالب عابد عن سبب تركه للمدرسة والعمل في سوق السمك اجاب بقوله لماذا اذهب الى المدرسة ومعلمي يعمل في السوق نفسه فلماذا ازعج نفسيتي كل يوم بالذهاب الى المدرسة و المعلمين دائما مضربين عن التدريس او غائبين نتيجة انقطاع رواتبهم ولا فائدة من الذهاب الى المدرسة .
وفي السياق ذاته تقول الطالبة وفاء اكره ان اكون مدرسة لان الاوضاع الاقتصادية أدت إلى زعزعة مكانة وقيمة الأستاذ في المجتمع لم يعد يحظى بالاحترام الكبير من قبل التلاميذ ناهيك على ذلك نظرة الشفقة المجتمعية كونه
معلم .
انصفوا المعلم في عيد المعلم :
وعطفا على ما سبق طالب اعضاء من الكادر التربوي المعنيين بإعادة كرامة المعلم ليستعيد التعليم مكانته الحقيقة وفي حال وجد المعلم نفسه في أمان من العواصف الاقتصادية والاجتماعية والنفسية وشعر بعدالة في توزيع ايرادات الدولة ؛ فإنّه سيبذل أقصى ما عنده وستتغير نظرة النّاس للتعليم فيهتمون حينئذٍ بتعليم أبنائهم ومتابعتهم .
واوضح التربويون انه لابد من تظافر كل الجهود لرفع مكانة مهنة التعليم ليس لأجل المعلمين والتلاميذ فحسب، ولكن لأجل المجتمع والمستقبل ككل بما يمثل إقرارا بالدور الذي يقوم به المعلمون في بناء المستقبل .
واكدوا ان خطط العدو باتت مكشوفة لذا على الجميع الوقوف امام صلف استكباره ومحاولته تجهيل امة بأكملها لتحقيق مآربة بكل سهولة ويسر ..مشيرين الى ان استمرار التدهور الاقتصادي سيؤدي حتما الى القضاء على ما تبقى من التعليم .
عدد الطلاب خارج المدرسة :
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” من أنّ تعليم 3.7 ملايين طفل آخر، من بين سبعة ملايين طفل في سن الدراسة في اليمن، بات “على المحك حيث لم يتم دفع رواتب المعلمين .
وبحسب إحصائيات نشرتها “يونيسف” بمناسبة بدء العام الدراسي الجديد وبحسب تقارير حديثة لوزارة التخطيط بصنعاء فإنّ هناك 2 مليون طفل خارج المدارس من إجمالي 7.3 ملايين طفل في سن التعليم.
وافادت دراسات اليونسيف ان أكثر من 160 ألف معلم بلا رواتب و78% من المدارس قد دمرت .
وتعمل يونيسف مع شركائها من أجل الحفاظ على نظام التعليم من الانهيار، وهو ما تحث بشأنه المجتمع الدولي على تقديم مساعداتهم ودفع الحوافز للعاملين في سلك التعليم وغيرهم من الموظفين المدنيين الذين يقدمون الخدمات الحيوية للأطفال.
بالرغم من ذلك فان مساعدات اليونيسيف المادية التي تقدمها للمعلمين ومن اثاث مدرسي للمدارس لا تفيء بالغرض المطلوب .
استهداف العدوان للمنشأت التعليمية :
أما عدد المدارس التي دمرها العدوان وحجم الأضرار المادية التي لحقت قطاع التعليم الأساسي والثانوي بشكل عام فقد وضحتها الأرقام الكارثية التي تضمنها تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم تحت عنوان (قطاع التعليم بعد مرور 1000 يوم من العدوان) حيث كشف تقرير الوزارة عن تدمير العدوان 2621 مدرسة ومنشأة تعليمية على مدى 1000 يوم، وبين التقرير تدمير78 مدرسة تدميرا كلياً ، بلغت التكلفة التقديرية لإعادة تأهيلها وترميمها 870 ألف دولار فيما بلغ إجمالي التكلفة التقديرية لإعادة بناء وتأهيل 2543 مدرسة مدمرة ومتضررة 237مليون و730 ألف دولار إضافة إلى مبلغ 95 مليون و542 ألف دولار تكلفة تجهيزات ومستلزمات تلك المدارس (مقاعد دراسية، سبورات، معامل، إذاعات مدرسية، تجهيزات مكتبية)
وأشار التقرير إلى أن الأضرار التي لحقت تلك المدارس التي كان يدرس فيها مليون و526 ألف و69 طالباً وطالبة قد توزعت على تدمير 260مدرسة تدميراً كلياً وتدمير 2483 مدرسة تدميراً جزئياً فيما 804 مدارس تضررت نتيجة استخدامها مأوى للمواطنين الذين تعرضت منازلهم للقصف من العدوان.
الإحصائيات الرسمية للوزارة أكدت أن عدد المدارس المغلقة في مناطق المواجهات العسكرية بلغ 680 مدرسة يدرس فيها 213 ألف و290 طالباً وطالبة، وأن حجم الخسائر والأضرار المادية التي لحقت قطاع التعليم بشكل عام جراء العدوان السعودي الأمريكي بلغت 334 مليون و52 ألف دولار.
دور الحكومة ودعمها للتعليم :
تزامنا مع بداية العام الدراسي اطلقت وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع اليونسيف حملة “العودة الى المدارس ”
للعام الدراسي ٢٠١٩- ٢٠٢٠م تحت شعار ” لنلحق أبنائنا وبناتنا بالمدارس وندعم استمرارهم بالتعليم”. فيما يظل المعلم يعاني من تبعات انقطاع الرواتب والذي يؤثر على استمرارية العملية التعليمية .
وتضمنت حملة الوزارة فلاشات توعوية “مرئية، مسموعة، مقروءة”، تسعى إلى حشد الجهود لإنجاح العام الدراسي والتوعية بأهمية التعليم والدفع بأبنائنا للمدارس.
ودعت الحملة الوزارية شركاء التعليم والقطاع الخاص إلى التفاعل مع حملة العودة الى المدرسة ودعمها بإعتبار التعليم مسؤولية وطنية تستوجب تضافر جهود الجميع.
ومن خلال ماسبق طرحه يتبين لنا ان استمرار التعليم المتدني يدعو الى القلق ويشير الى كوارث قد تكون اكثر مما هو عليه حال البلاد اليوم نتيجة المخرجات التعليمية السيئة .
ونؤكد هنا ان المعلم في هذا اليوم بحاجة الى انصافه وتحسين وضعه المعيشي اكثر من حاجته الى الاحتفالات او شهادات تكريم وهناك العديد من المعلمين يمتلكون من القدرات الهائلة الكثير القادرة على العطاء والابداع وتغيير مسار المجتمع الى الافضل ؛لكن هذا لن يكون الا اذا تم تأمين وضعه من كافة الجوانب .