ثورةُ الـ 26 في ذكراها الـ 57.. قراءةٌ في الأهداف المعلَنة والمتحقّق منها والأسباب والعراقيل التي حالت دون تحقيق أهدافها
يمانيون – قراءة وتحليل
يحتفلُ الشعبُ اليمني بالذكرى الـ 57 لثورة الـ 26 من سبتمبر بعد أيام قلائل على الاحتفال بالذكرى الـ 5 لثورة الـ 21 من سبتمبر، حيث نجحت الثورة في الصمود رغم كُـلّ المؤامرات والأخطار التي اعترضت مسارها قبل وبعد إعلانها في 26 سبتمبر 1962، الثورة التي مضى على تحقيقها قرابة 57 عاماً حملت ستة أهداف، أعلنها الثوار، وسعوا من أجل تحقيقها على أرض الواقع، ما تزال غالبية أهدافها تراوح مكانها، بمعنى أنها لم تتحقّق حتى الآن، فهل يعني ذلك أنها غير قابلة للتحقيق؟! أَو أنه لم تتوفر بعدُ الرغبة الصادقة لتحقيقها؟! هل الخلل في الثورة؟! أم الخلل في الثوار أنفسهم؟! أم في الأنظمة التي تولت السلطة منذ قيام الثورة وحتى اليوم؟! هل يعقل ستة أهداف فقط لم يتحقّق منها سوى هدفين فقط خلال 57 عاماً؟! ولكي نضع القارئ أمام الصورة مكتملة لا بد من الإشارة قبل أن نبدأ بالقراءة التحليلية لأهداف الثورة إلى أن هناك نسبة لا بأس بها في الشارع اليمني ترى بأن ثورة الـ 26 من سبتمبر حقّقت كامل أهدافها بحسب قناعاتهم وفلسفاتهم الخَاصَّة وهنا سنحاول تناول هذا الموضوع بحسب القناعة التي يؤمن بها كاتب السطور والتي تتفق مع قناعة الكثير من المتابعين والمهتمين.
التحرّر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما وإقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات
بالإمعان في مضامين الهدف الأول للثورة فإننا لم نلمس أي أثر له على الإطلاق، فالاستبداد ظل شعار المرحلة، أسقطنا الإمام ونصبنا الشيخ بديلا، تحولت اليمن إلى إقطاعيات مشايخية تستأثر بالسلطة والقوة والنفوذ، لدرجة أننا سمعنا عن وجود عبيد لدى بعض الطغاة من المشايخ والنافذين، صار الشيخ ولي نعمة المواطنين، هو الآمر الناهي والكل تحت أمره ومن تتسنى له فرصة زيارة بلاد العصيمات والقرى النائية التي كانت واقعة تحت سلطة بيت الأحمر سيصاب بالذهول وسيشعر أن تلكم المناطق لم يصلها بعد خبر قيام ثورة 26 سبتمبر، والحديث هنا يطول عن مظاهر الاستبداد، أما الحديث عن التحرّر من الاستعمار فلكم أن تتصوروا كيف نتحدث عن دولة مرتهنة لدولة أُخرى، هي المهيمنة على قرارها، والمتحكمة في سياستها، وأن سفيرها هو الحاكم الفعلي لليمن، أليست هذه الحقيقة؟! ألم تكن السعودية هي الوصية على اليمن واليمنيين؟! ما كان دور اللجنة الخَاصَّة السعودية؟! ألم يكن السفير السعودي هو من يعين كبار المسؤولين في البلاد؟! من منع التنقيب عن النفط في الجوف؟! فعن أي تحرّر نتحدث؟! والمضحك كَثيراً الحديث عن إقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات، فما تحقّق هو العكس من ذلك تَمَاماً، فالجمهورية تحولت إلى جمهوملكية وتحولت الدولة إلى مصالح ومراكز نفوذ بين أسماء معينة، وتحولت الوظيفة إلى ميراث للنافذين وأولادهم، الرتب العسكرية، والمنح الدراسية، والوظائف العليا، من نصيب أبناء الذوات، وهي سياسة كرست الفوارق والامتيازات والطبقات وهو ما يتعارض مع أهداف الثورة السبتمبرية.
بناءُ جيش وطني قوي لحماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها
خَطَت البلادُ خطواتٍ متقدمةً في جانب تحقيق هذا الهدف وخُصُوْصاً فيما يتعلق بالجزئية اللفظية بناء جيش، حيث شهدنا نقلة نوعية محدودة في هذا الجانب فيما يتعلق بقوات الحرس الجمهوري والقوات الخَاصَّة نظرا للدعم والاهتمام الخاص الذي منحت إياه، ولكن المشكلة تكمن في بقية مضامين هذا الهدف، فالجيش اليمني للأسف لم يُبْنَ على أسس وطنية بحيث يكون ولاء قادته وأفراده للوطن، وإنما تم إعداده وتنشئته على الولاء للأشخاص والأحزاب، فكان الجندي المنتمي للحرس عندما يُسأل: تبع من أنت؟! يجيب تبع أحمد علي، والجندي المنتمي للفرقة يقول تبع علي محسن وهكذا، فكانت قوات الفرقة تابعة لعلي محسن وقوات الحرس تابعة لأحمد علي ووزارة الدفاع عبارة عن كوز مركوز للاستعراض فقط، بل كان هنالك قيادات عسكرية تتعامل مع أفرادها على أنهم في ملكيتها، وأمام هكذا واقع من الطبيعي أن ينحرف دور هذا الجيش من حماية البلاد وحراسة الثورة ومكاسبها، إلى حماية الأشخاص والاستماتة في الدفاع عنهم، وتأمين فللهم ومزارعهم ومصانعهم واستثماراتهم المختلفة، بدليل ما نحن فيه من عدوان غاشم يستهدف الوطن، حيث شهدنا تقاعس أعداد كبيرة من منتسبي الجيش عن مواجهة العدوان، وذهاب البعض الآخر للقتال في صَفِّ العدوان بحسب رغبة القائد المرتزِق العميل؛ لأَنَّ الولاء عندهم ليس للوطن، وهذه هي مشكلتنا مع الجيش اليمني.
رفعُ مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً
وهذا هو الهدف الذي لم يشعر المواطن أي أثر له في حياته إلا في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم محمد الحمدي ولكن سرعان ما أقدمت السعودية وأذنابها على التخلص منه، ومن المخزي اليوم أن نجد في أوساطنا من النخب المثقفة والأكاديمية من ينظرون للسلطة في هذا الجانب رغم أن الواقع مخزٍ للغاية، فاقتصادنا غارق في العجز والفشل، والشعب محاصر بالأزمات والجرعات ومكبل بالمنح والقروض، لا وعي له أثر، ولا ثقافة قطفنا لها ثمراً، فكل طرف سعى لرفع أرصدته وتنمية مدخراته وتعزيز نفوذه وسطوته السياسية، حتى الثقافة قاموا باستيرادها وتدجين المجتمع بها، تاركين خلفَهم إرثاً ثقافياً ومعرفياً يعد ثروة هائلة ظلت وما تزال مهملة، حيث يتعامل مع الثقافة والإبداع بنظرة دونية وكأنها من الكماليات الغير ضرورية، ومن يشاهد حالَ الأدباء والمثقفين البائس يشعر بالحسرة والأسى.
إنشاءُ مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف
الحديثُ عن مجتمع ديمقراطي في اليمن ضحك على الذقون، فالديمقراطية في اليمن أكذوبة، تشابه إلى حَـدٍّ كبير أكذوبة الشرعية الدنبوعية، ديمقراطيتنا انتخابات مزورة، وصناديق ملغمة، وتسخير للمال العام والإعلام الرسمي والجيش وكافة مقدرات الدولة لصالح الحزب الحاكم ومرشحيه، ديمقراطيتنا إقصاء للمرشحين وإجبارهم على الانسحاب وتهديدهم بالوظيفة والمرتب وغيرها من أساليب الترهيب (الديمقراطية) التي تتفرد بها الأنظمة العربية.
العملُ على تحقيق الوحدة الوطنية في نطاق الوحدة العربيةِ الشاملة
عمل الرئيسُ الشهيد إبراهيم الحمدي على الترتيب لتحقيق هذا الهدف الثوري النبيل، وقطع مع القيادة في الجنوب أشواطا متقدمة في هذا الجانب ولكن جريمة اغتياله حرمته من تحقيق هذا الحلم الذي ظل يراوده، الحلم الذي تحقّق في العام 1990على يد الرئيس علي عبدالله صالح ونائبه الرئيس علي سالم البيض، ولكن المشكلة أن هذه الوحدة تحملت أخطاء ونزوات قوى النهب والفيد والتسلط، وبدأت التصفيات الجسدية الممنهجة للقيادات الاشتراكية واندلعت حرب صيف 94 والتي انتهت بانتصار قوات صنعاء لتبدأ مرحلة الانتقام وتصفية الحسابات والتي تحول معها الجنوب إلى غنيمة حرب، نهبت الأراضي والممتلكات العامة والخَاصَّة، وهو الأمر الذي ولّد مشاعرَ الحقد والكره تجاه الوحدة في أوساط الجنوبيين لتبدأ مطالبتهم بالانفصال، في ظل عجز السلطة عن معالجة الاختلالات وإعادة الحقوق المغتصبة والمنهوبة، وتمسكها بهوامير النهب والفساد على حساب ترميم جسد الوحدة المنهك المثخن بالجراح، وهو ما بات يهدِّدُ مستقبل الوحدة اليمنية وخُصُوْصاً في ظل المؤامرة الكبرى التي تحاك ضدها من قبل السعودية والإمارات.
احترام مواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والتمسك بمبدأ الحياد الإيجابي وعدم الانحياز والعمل على إقرار السلام العالمي وتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم
وهذا يكاد يكون الهدف الأكثر تحقّقاً من أهداف ثورة الـ 26 من سبتمبر، وإن حصلت بعض الهفوات والشطحات والمواقف العاطفية التي دفع الوطن والشعب ثمنها غالياً، رغم أنه كان بالإمْكَان تفاديها وعدم الوقوع فيها والتي تتعارض مع هدف التمسك بالحياد الإيجابي، وكذا ما يتعلق بتدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم، حيث لم ندعم التعايش السلمي في داخل الوطن الواحد ولم نحترم خصوصيات بعضنا بعضا، وحروب صعدة الست ضد شعار الموت لأمريكا وسعي النظام لفرض الفكر الوهابي على أبناء محافظة صعدة التي تمثل معقلَ المذهب الزيدي في اليمن؛ نزولاً عند رغبة الجانب السعودي، فكيف لنا تدعيم مبدأ التعايش السلمي بين الأمم؟!!
الخلاصة
ثورةُ الـ 26 من سبتمبر في ذكراها الـ57 بحاجة إلى تصحيح مسارها وإزالة كافة العوائق والعراقيل التي تحول دون تحقيق أهدافها، ونحن عندما نتحدث عن تصحيح المسار والانحراف الذي حصل لها، فإننا لا نقلل من شأنها أَو نحاول تشويه صورتها، ولكننا نريد أن تحقّق الأهداف التي قامت من أجلها، والتي تزدان بها واجهات الصحف الرسمية، ولا أرى في ذلك جريمة، أَو معصية كبرى، كما قد يرى ذلك البعض، ولكنها قراءة تحليلية خَاصَّة تعبر عن وجهة نظري وقناعتي، مع احترامي وتقديري وتفهمي للقناعات ووجهات النظر المغايرة.