على بوابة النصر
د. أسماء الشهاري
يُقال إن الأحداث المتلاحقة والمتسارعة من علامات اقتراب قيام الساعة، لكنني أظن أنها قد تكون أيضاً من مؤشرات قيام دول من اللا شيء، وزوال دول وممالك أخرى، وانهيار وتبعثر أنظمة وكيانات وتحطم هيمنة امبراطوريات وتمريغ أنف كبريائها في وحل الهزائم بعد تلاشي هيبتها الخرافية وسمعة صناعاتها الأسطورية التي ظلت تحاول الحفاظ عليها طيلة عقود.
فكل الأحداث مهمة، وإن كان آخرها أكثر أهمية كونه هزّ كيان العالم وأربكه – استهداف بقيق وخريص وما تبع ذلك من نتائج وتداعيات- فإن أولها لا يقل أهمية وهو من مهد لما تبعه من تطورات.
إذن هي عملية تصاعدية لها أول ولا يبدو أن لها آخر إلا بتغيير ملامح وجه الخريطة، كما ليس لها خطوط حمراء كما يقول القائمون على مجريات الأحداث والصانعون الفعليون لها، والذين لم يُخلفوا وعداً قطعوه حتى الآن، كما يشهد بذلك العالم من أقصاه إلى أقصاه.
بيد أن التاريخ المعاصر الذي يزهو بهذا الزخم من المعجزات يبدو مظلومًا فإن كل واقعة تحدث ضجة كبيرة حد الانبهار- قلّ نظيرها- إلا وتبعتها أختها أكبر منها قبل أن تأخذ حقها من الوقوف عليها وعندها وتحليلها وقراءتها وقراءة تداعياتها ونتائجها، وهكذا فإن العجلة مستمرة دونما هوادة، وكأنّ الجيش اليمني ولجانه الشعبية في حالة سباق مع الزمن وقد قطعوا على أنفسهم عهداً أن يجعلوا من أنجم السماء كلها سُهيلا، وألّا يعلو فوق ذكرهم ذكر كما في أول التاريخ وحتى آخر العهد والزمن.
وكما أحرج رجال اليمن العظماء التاريخ فقد أحرجوا الداخل قبل الخارج، فكلما أراد أن يحتفي الداخل بإنجاز تلته إنجازات، وكلما ذُهل الخارج من معجزة إذا به يتسمّر في مكانه وكأنّهُ يُصعق من هول ما تبعته من معجزات!
فمن تلك المسيرات الحاشدة المليونية التي تسد الأفق إلى قوافل العطاء التي تهتز لهيبة جلالها السماء،
ومن انتصارات الداخل في شتى المجالات ومختلف الجبهات إلى وابل من المفاجئات على العِدا تحلُّ على رؤوسهم المنكرات.
فعندما تكلمت بطولات الرجال خرست الأقلام وجفَّ حبرها، وبكت الطواغيت وعلا نحيبها، وذُهِل من في الأرض وكأنّهُ يوم العرض!
ولا يزالُ العالم في هول الذهول يحبس أنفاسه منبهرًا ومشدودًا ومترقبًا لقادم أفعالها، فيكفيها فخراً أنها هي اليمن وهذه رجالها.
فهل يعي الحمقى الدرس ويسمعون للنصح قبل أن يحلّ الفأس في الرأس، وقبل أن تذهب أنفسهم حسرات من شدة وبالها.