بنو سعود.. فشل شمالي ـ جنوبي.. المجلس الانتقالي و«تأديب» منصور هادي..؟! القوات اليمنية تطلق «توازن الردع ».. الأرض والسماء لنا
يمانيون../
بعيداً عن النكتة التي أطلقها «نواب» عبد ربه منصور هادي، وطالبوه فيها باستخدام «صلاحياته الدستورية لمراجعة العلاقات مع التحالف الذي تقوده السعودية»!!.. وهو صنيعة التحالف وأداته وذريعته لاستمرار العدوان على اليمن.. حتى إن أحداً لم يسمع له صوتاً مع تجدد الاقتتال «الجنوبي» بين وكلاء العدوان، بدءاً من عدن وصولاً إلى شبوة، وحتى حضرموت.. والذي بدأ في 2 آب الجاري ولا يزال مستمراً، وإن على نحو متقطع..
.. بعيداً عن هذه النكتة التي لم تستدع سوى ابتسامة سخرية مُرّة من طرف الشفتين «مع اعوجاج» ما زالت أحداث عدن وجوارها القريب تثير الكثير من التساؤلات والتحليلات عن أسباب تجددها والأهداف المُبيتة، وما الذي غيرته في «قواعد العدوان» ميدانياً وسياسياً، وتداعياتها المحتملة على المشهد اليمني ككل؟
وفي الإجابة، لم يترك المحللون «سيناريو» إلا طرقوه ولم يتركوا «نظرية» إلا عرضوها، وهي جميعها تجوز وتصح، ولأنها كذلك – ولكثرتها وتضارب بعضها – يغدو المشهد بجملته غير مفهوم، وإذا كنا نتلمّس في بعض الزوايا بعضاً من حقيقة ما يجري، فإننا في زوايا أخرى لا نستطيع أن نفهم الأهداف، ولا لماذا يتجدد الاقتتال الجنوبي بين المجلس الانتقالي و«قوات» منصور هادي، ثم يعود هؤلاء للرضوخ – كما في كل مرة – لما يفرضه بنو سعود، فيهدأ الميدان فترة ثم يشتعل باقتتال جديد.. ألم يَعُدْ وفد المجلس الانتقالي من السعودية (السبت الماضي) ليُسلّم من جديد بـ «شرعية» منصور هادي ويُعلن التزامه بوقف الاقتتال.. ألم يلتزم هادي و«قواته» بالتصعيد الكلامي فقط بينما هم على الأرض فرّوا كالأرانب إلى أبعد مكان ممكن عن عدن قبل أن يتدخل بنو سعود، فلزموا أماكن فرارهم في شبوة؟
فريق واسع من المحللين والمراقبين جزم أن أحداث عدن الحالية مختلفة كلياً عن سابقاتها، وأنها ستمهد حتماً لمشهد ميداني جديد في الجنوب، لكنهم في المقابل عرضوا الأسباب والأهداف نفسها، لناحية (صراع النفوذ ومخاطر التقسيم وخلافات التحالف والنيّات المبيتة) وغيرها.. إذاً أين هو الاختلاف؟
الجواب: هناك اختلاف على الأكيد، لكنه لا يتركز فيما ذُكر، أو في أن جولة الاقتتال الحالية أشرس وأوسع جغرافياً (لناحية المدن والمناطق التي سيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي) حتى بدا وكأن «الشرعية» المزعومة أيامها معدودة قبل أن تُطرد من كل الجنوب، بعد طردها من عدن أولاً (التي تتخدها مقراً).. وثانياً، بعد طردها هادي نفسه من أبين (وهي مسقط رأسه).
في اعتقادنا يكمن الاختلاف في نقطة مستجدة/جديدة كلياً أفلتت من المحللين برغم ما تعنيه وما تؤشر إليه من تغير وتغيير في «قواعد الميدان» للمرحلة المقبلة.. أي في جولة الاقتتال المقبلة التي لن تكون بعيدة زمنياً.
يوم الخميس الماضي (22 آب الجاري) خرج نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك (وهو الرأس الجنوبي الثاني بعد رئيس المجلس عيدروس الزبيدي) خرج بن بريك ليُعلن إيقاف المواجهات في محافظة شبوة قائلاً: حالياً..سنكتفي بهذا القدر من التأديب!!
واستطرد بن بريك، بما معناه، أنه في المرة القادمة سيكون لشبوة حديث آخر.
الآن.. أن يستخدم بن بريك كلمة «تأديب» من دون غيرها فهذا يعني:
1- أنه في «المرة القادمة» ستسقط حتماً «قواعد الميدان» لمصلحة المجلس الجنوبي، والأحداث الحالية هي تمهيد.. وهذا وعد ووعيد يتجاوز منصور هادي والفصائل التابعة له.
2- هناك تقصّد وتعمّد في استخدام كلمة «تأديب» لتصل رسالة أحداث عدن إلى من يعنيه الأمر، ولتكون واضحة في هدفها الحالي والمستقبلي.
3- يعني أن المجلس الجنوبي واثق من قدرته على إسقاط قواعد الميدان، وهذا ما أثبتته واقعياً جولات الاقتتال السابقة، والحالية أيضاً.
4- هذه الثقة تعني أن المجلس قادر على تجاوز بني سعود أنفسهم الذين يتلطّون وراء منصور هادي كذريعة لإدامة العدوان على اليمن.
5- إذا حدث وسيطر المجلس على الجنوب فهذا يعني أن اليمن بات فعلياً أمام خطر التقسيم، فهو يجاهر بالتقسيم، حتى إن اسمه الكامل مرفق بفعل الانفصال (المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي).
الأهم من كل ما سبق، وهو بالضبط مركز الاختلاف، سؤال يستدعي سؤال: من هو المقصود فعلياً بالتأديب.. وهل تأدّب؟
على الأكيد ليس منصور هادي وهو المؤتمر بأمر بني سعود، لا يزيح ولا يحيد.. وهو الذي ينتهي به الأمر مع قواته في كل جولات الاقتتال إلى الهزيمة والاندحار، ثم يأتي بنو سعود لإعادة الوضع إلى سابق عهده ونقله مجدداً إلى قصر المعاشيق في عدن باعتباره المقر الرئاسي المؤقت.
من المقصود بالتأديب، وهل تأدب؟
لا نعتقد أننا بحاجة إلى «لبيب من الإشارة يفهمُ».. وعليه، لننتظر جولة الاقتتال المقبلة، ربما يتطور «التأديب» ويكون للجنوب اليمني حديث آخر.
منذ بدء العدوان السعودي على اليمن في آذار 2015 كان حديث التقسيم حاضراً، يتقدم أو ينحسر حسب المعطيات الميدانية المرتبطة حصراً بأهداف العدوان، ولكن حديث التقسيم لم يسبق أن شهد هذا الحضور والزخم اللذين هما عليه اليوم، على خلفية أحداث عدن وما أفرزته من «استعراض القوة» للمجلس الانتقالي في مواجهة «قوات» هادي أو ما يسمى «قوات الشرعية».. علماً أن كليهما يقاتل تحت سقف تحالف العدوان، ويفترض أن يكونا حليفين وليس عدوين لدودين.
وبدا من جولة الاقتتال هذه، ومن حديث «التأديب» السابق ذكره أن آخر خيوط العدوان تتفلت من يد بني سعود بعدما تفلتت منهم خيوط الشمال بفعل الإنجازات الفارقة التي تحققها المقاومة اليمنية، هذا طبعاً مع الفارق الوطني الجذري بينها وبين كل من الانفصاليين الجنوبيين و«قوات» منصور هادي.
الخطة «ب»
حالياً، وعلى نطاق واسع، يُقال إن بني سعود في حال لم يحققوا أهدافهم بالعدوان، فإن الخطة «ب» هي التقسيم، المهم ألا يعود اليمن دولة موحدة مستقلة.. أكثر من ذلك، فإن التقسيم لن يضع حداً للعدوان، ولن يلغي مخاطر اندلاع حرب أهلية بين الشمال والجنوب من جهة، وبين الكتل الجنوبية نفسها من جهة أخرى.. في الجنوب هناك وجود قوي للإخوان المسلمين (حزب الإصلاح) الذين هم في مواجهة دائمة مع المجلس الانتقالي، وطرف في كل موجة اقتتال.
وفي التسريبات يُقال إن بني سعود رضخوا لحقيقة هزيمتهم في اليمن وفشلهم في السيطرة عليها كاملاً، وتالياً هم أمام خيار واحد فقط وهو التقسيم.. وفي التسريبات أيضاً أن بني سعود بدؤوا يعملون على التقسيم، وأن أحداث عدن ما هي إلا ترتيب للأوضاع الميدانية بين الأطراف المتقاتلة على أن يُترجم هذا الترتيب في المرحلة القريبة المقبلة حكومة جديدة تضمّ الجميع.. وأن بني سعود باتوا لا يمانعون أن تأخذ المقاومة اليمنية الشمال (ويقصدون أنصار الله) وأن يأخذوا هم الجنوب عبر الانفصاليين.
الكلام سهل كما يُقال، ولكن من قال إن هذا المخطط هو في متناول بني سعود أو إن الكلمة النهائية لهم في اليمن، ومن قال إن المقاومة اليمنية ستسمح لهم بالتقسيم، ومن قال لبني سعود إن في إمكانهم «شراء» المقاومة اليمنية بإعطائها الشمال فترضى وتتخلى عن اليمن كدولة موحدة .. أي غباء هذا والمقاومة اليمنية اليوم هي الأقوى في معادلات الميدان والسياسة.. أي غباء والمقاومة اليمنية أعلنت هذا العام 2019 عاماً للحسم والنصر، وهي في كل شهر منه تسجل إنجازاً وتحقق اختراقاً ينعطف بالحرب باتجاه تثبيت هزيمة المعتدين؟
منذ بداية هذا العام – عام الحسم – وضعت المقاومة اليمنية تحالف العدوان أمام معادلات ميدانية جديدة، بانتقالها من رد الفعل إلى الفعل، من معادلة الدفاع إلى معادلة الهجوم، ونقل المعركة إلى أرض العدو.. وبنجاح مذهل استطاعت أن تُفقد قوى العدوان توازنها وتُربك حساباتها وتجبرها على اتخاذ أصعب وأقسى القرارات، علماً أن معادلة الهجوم وما تلاها من توسيع دائرتها – ولاسيما مع بداية النصف الثاني من هذا العام – لا يعدان انقلاباً على معادلتي التفاوض والدفاع، بمعنى تغيير النهج والمسار، بقدر ما هما استكمال وتدرج في معركة المواجهة والتصدي، وحتماً كانت هذه المعركة ستصل إلى معادلة الهجوم وتوسيعه طولاً وعرضاً وعمقاً، وهذا ما حصل ولكن بعد تحقيق كل ما تحتاجه معادلة الهجوم، ليكون النصر ناتجاً حتمياً.. بينما لا يملك تحالف العدوان إلا الاعتراف بإنجازات المقاومة، وإذا لم يفعل، فلدى المقاومة التوثيق اللازم بالصوت والصورة.. والشرح.
وإذا كان شهر أيار الماضي هو التحول الأبرز في النصف الأول من عام الحسم (لناحية كثافة الهجمات الناجحة ونوعية الأهداف وعددها).. إذا كان شهر أيار كذلك، فإن شهر آب الجاري هو التحول الثاني (لناحية انكشاف كامل جبهة العدو أمام صواريخ ومُسيّرات المقاومة).
المقاومة بالمرصاد «توازن الردع»
وكان النصف الثاني من عام الحسم بدأ فعلياً في تموز الماضي تحت عنوان «توسيع دائرة المعركة» التي نجحت المقاومة – في المرحلة الأولى – في نقلها إلى أرض العدو .
في 17 آب الجاري أعلنت المقاومة اليمنية بدء معركة «توازن الردع الأولى» باستهداف حقل الشيبة النفطي (والمصفاة) التابعين لعملاق النفط السعودي «أرامكو» بـ10 طائرات مُسيّرة طويلة المدى محلية الصنع وحديثة.. هذا الهجوم هو الثاني من نوعه، إذ كان الأول في أيار الماضي (وكان التحول الأبرز في عام الحسم كما ذكرنا سابقاً) لكن الهجوم الثاني أكبر وأضخم، وجاء مرفقاً مع تأكيد جديد من المقاومة بأن بنك الأهداف يتسع يوماً بعد يوم، والهجمات ستكون أوسع مدى وأكثف عدداً وأعمق تأثيراً، وهذا ما نشهده فعلياً منذ بداية هذا الشهر. وكان الهجوم على حقل الشيبة أضخم من أن يتجاهله بنو سعود أو أن يحاولوا التعتيم عليه.. فاعترفوا به، مشيرين إلى فشل منظومات الدفاع الجوي الأميركية في حماية الحقل.
وعلى نحو عام لا تتوقف عمليات المقاومة التي تتسع وتتكثف من دون أن تترك مجالاً لجبهة العدوان لأخذ استراحة أو تنفس الصعداء لأكثر من يوم أو يومين، وبعدها تفاجئ العدو بعمليات أقسى وأشد، وتكشف المزيد من القدرات العسكرية الاستراتيجية للمقاومة.
وكانت المقاومة كشفت السبت الماضي في مؤتمر صحفي أحدث منظوماتها للدفاع الجوي التي تتركز في منظومتين جديدتين: «فاطر1» و«ثاقب1».. «ستفرضان معادلات جديدة في الحرب» حسب المتحدث باسم القوات العسكرية التابعة للمقاومة العميد يحيى سريع الذي أضاف خلال المؤتمر أن المنظومتين دخلتا «خط المعركة وحققتا نتائج إيجابية على صعيد التصدي للعدوان». وأرفق العميد سريع حديثة بصور وفيديوهات توثق نجاح المنظومتين، ولاسيما في عملية إسقاط الطائرة الأميركية «إم كيو9» في محافظة ذمار الأربعاء الماضي بصاروخ من منظومة «ثاقب1» بعد شهر واحد فقط من دخولها الخدمة حسب العميد سريع.. مضيفاً: هذه العملية هي الثانية بعد إسقاط طائرة أمريكية مسيرّة من النوع نفسه في حزيران الماضي في محافظة الحديدة بصاروخ من منظومة «فاطر1».
السلاح المُسيّر
وأعلن سريع أن العام الجاري 2019 هو عام لسلاح الجو المُسيّر، أما العام القادم 2020 فسيكون عاماً للدفاع الجوي، مشيراً إلى أن «منظومات الدفاع الجوي اليمني فرضت على قوى العدوان معادلات جديدة وأجبرتها على التعامل بحذر واتخاذ إجراءات معينة عند تنفيذها أعمالاً عدوانية بعد أن كانت تنفذ عملياتها العدوانية من دون أن تعترضها أي أسلحة…
هذا المؤتمر هو الثاني لهذا العام بعد مؤتمر مماثل في حزيران الماضي كشفت فيه المقاومة عن منظومتها المُطورة من الصواريخ والمسيرات وأهمها: «قدس» و«بركان».. وطائرات «صمار3» و«قاصف – k2» و«راصد» الاستطلاعية التكتيكية، مؤكدة أنها «دليل على القدرات اليمنية والكفاءات الوطنية القتالية والتسلحية».
ليتركوا يمننا
ودائماً، تضيف المقاومة اليمنية – في الختام – أن ما تعلنه تباعاً هو أجزاء فقط مما تمتلكه وتطوره من قدرات عسكرية دفاعية وهجومية، والقادم أهم وأخطر، وأن على تحالف العدوان أن يعيد حساباته ألف مرة قبل أن يفكر في توسيع عدوانه باتجاه التقسيم.. عليه أن يفكر ويعمل فقط على إنهاء عدوانه، وليترُك اليمن لليمنيين فهم قادرون على التفاهم والتوحد والعمل معاً باتجاه استعادة السلام والاستقرار.
(تقرير: مها سلطان – من سوريا)