دماء العملاء تسيل في عدن.. لعبة الإذلال؟!
يمانيون | ابراهيم الوادعي
أكثر من أربعين قتيلا وفق بيانات اممية حصيلة أربعة أيام من المواجهات الدامية في عدن، ونحو 280 جريحا، ويتوقع أن تكون أعداد القتلى أكبر من الرقم المعلن امميا بكثير، مع استمرار عمليات انتشال الجثث من ازقة المدينة بعد ان هدأت حدة القتال وسيطرت قوات الانتقالي على المدينة وقصر المعاشيق واستمرار عمليات دهم منازل الموالين للشرعية واقتيادهم إلى السجون او اعدامهم.
جولة القتال بين جناحي مرتزقة العدوان ما يسمى بالشرعية وفي اتونه حزب الإصلاح، والمجلس الانتقالي وقوى سلفية إلى جانبه كألوية العمالقة، هي الأعنف حيث امتد القتال إلى معظم شوارع عدن وحوصر المدنيون في منازلهم لنحو أربعة أيام دون إمدادات غذائية أو دوائية كما أعلنت بذلك منظمات أممية.
اللافت في جولة الاقتتال الجديدة بين مرتزقة العدوان، أنها الجولة الوحيدة التي تركها تحالف العدوان بين عدة جولات اقتتال سابقة، تمضي حتى النهاية ويسيطر المجلس انتقالي بقواته على قصر معاشيق ومدينة عدن، وترحل ما تسمى الشرعية من عدن نهائيا ومن أبرزهم المرحلين وزير الداخلية أحمد الميسري، والذي وجه سهام النقد إلى الرياض لتركهم وحدهم في المواجهة، أمام قوات تدعمها الامارات التي هنأها ب “الانتصار ” متوعدا بألا تكون آخر المعارك حسب قوله.
وجولة الاقتتال هذه هي الأولى بعد إعلان الامارات انسحابها من اليمن، وربما هذا ما جعل قوى العدوان الإقليمية تمضي بها نحو النهايات لترتيب وضع جديد على الأرض تريده الإمارات المنسحبة، تقول المؤشرات أن أبو ظبي ما عاد بقدرتها المراوغة وإبقاء قواتها في اليمن بعد التهديد الصريح للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بأن تصدق في انسحابها لمصلحتها سياسيا واقتصاديا بالدرجة الأولى.
أبوظبي أدركت أنها معنية أساسية بصاروخ الدمام – بركان 3 والذي يبلغ مداه أكثر من 1300 كيلو متر ويتمتع بتكنولوجيا تمكنه من اختراق منظومات الاعتراض الأمريكية التي تمتلكها الإمارات والسعودية، وهي سعت منذ احتلالها جنوب اليمن إلى إنشاء قوات تساعدها على فرض السيطرة على عدن ومناطق الجنوب، ويبدو أن مهمة هذه القوات قد تطورت لتكون وكيلا عن بعد للإمارات، ولذا تعمل على تقويتها و تمكينها من السيطرة على عدن برضا أمريكي، وليس شرطا أن تقبل به السعودية.
الخيبة التي ظهرت على وزير داخلية ما يسمى بالشرعية أحمد الميسري في فيديو سجله قبيل ترحيله إلى شرورة مساء 11 أغسطس من قبل القوات السعودية، قابلتها خيبة مماثلة لدى الطرف الآخر عبر عنها هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي بوضوح في خطبة العيد وتغريدات لا يخفي فيها اعتراضه إلى الذهاب للمفاوضات تحت ما سماه التهديدات وتخلي مجلسه عن الانتصار الكامل الذي حققه بدعم إماراتي وسكوت سعودي كما يقول بذلك الميسري نفسه.
وللمفارقة فعيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي ظهر في بيان ليعلن انسحاب قواته من قصر معاشيق وامتثاله أوامر التحالف ممثلا بالسعودية والإمارات؟!
وهو أي “الانتقالي” أصدر عند بداية الأحداث بيانا أعلن فيه قيام دولة في الجنوب اليمني، تراجع عنها في اليوم التالي..
هل استسلم “الانتقالي” وتخلى عن انتصاره امام صاروخ سعودي واحد أسقط على موقع له قرب معاشيق وتهديد باستمرار الغارات، يقول بن بريك إن أنصار الله في الشمال صمدوا خمس سنوات أمام آلاف الصواريخ، لكن تجاهل أمرا مهما وهو أنهم أحرار وليسوا مرتزقة.
في مكة ظهر هادي في لقاء مع الملك السعودي مستجديا ومتخوفا من افول شرعيته وهروب أنصاره وعودتهم إلى صنعاء التي تستقبل يوميا عشرات الاتصالات من الراغبين في العودة والتوبة عما اقترفته أياديهم بالانضمام والارتزاق لدى التحالف ضد وطنهم.
ويقول قادة في ما يسمى المقاومة الجنوبية أن هادي منعت عنه الاتصالات طيلة الأحداث في عدن.
يخلص مراقبون الى أن ما حدث على الأرض في عدن انتهى إلى إذلال حقيقي للطرفين المنتصر والمهزوم، فلا الانتقالي تمسك بانتصاره وحقق حلم “استعادة الدولة “، والطرف الآخر “شرعية هادي” وحزب الإصلاح انطوت هزيمته المرة على فضيحة فقدانه الشرعية الشعبية في الشمال والجنوب.
لقد تيقن الإصلاح رافعة العدوان على اليمن منذ انطلاقته في مارس 2015م وما قبل ذلك بإفشال جولات التحاور الوطنية في صنعاء، أنه قد يصبح الخاسر الاكبر في هذه الحرب والشرعية الهلامية التي يتشدق ويتدثر بها طوقا للنجاة من الغضب الشعبي اسقطت بدعم من جاء زاعما نجدتها.
وتكشف للشرعية والعملاء في صفها انها أضحت منبوذة في الداخل اليمني شمالا وجنوبا، ولم يعد لها وجود سوى في أسواق النخاسة الدولية التي تبيع وتشتري فيها السعودية، وهذه الفضيحة أرادها التحالف السعودي الإماراتي وسعى لها.
المنتصر افتراضيا وهو الانتقالي في قتال الأيام الثلاثة، وجد نصره الكامل يستلب من بين يديه، ولا تعدو غضبة بن بريك انعكاسا لغضب إماراتي من الخطوة السعودية وجلب الطرفين رغما عنهما إلى طاولة حوار معد نتائجها مسبقا من قبل الأمريكي، وسيخرج الانتقالي من نصره راضخا بشكل أكبر للتحالف الذي تقوده السعودية، يدفع مجددا بأبناء الجنوب ليس الى بناء الدولة وانما الى ساحات القتال خدمة للمصالح الأمريكية والإسرائيلية والسعودية.
قد يتساءل البعض إذا كان الحال كذلك.. فلماذا ترك التحالف عملائه يتقاتلون على الأرض وتسيل دمائهم في شوارع عدن لمدة أربعة أيام! كان بإمكانه أن يصدرا أمرا بوضع ترتيبات جديدة دون الحاجة لسفك الدماء في شوارع عدن.
والإجابة تكمن في غريزة الإذلال التي تهيمن على النفس البدوية للأعراب والنفس الشريرة لدى الصهيونية التي تحكم أهداف تحالف العدوان على اليمن وسياسة امريكا في العالم، إذلال صبغ بدم العملاء من الطرفين.
وعلاوة على ذلك فإن تعميق الأحقاد أمر مطلوب لتقسيم اليمن وعدم استقرار المنطقة، وذلك هو الرافعة الأساسية للفوضى الخلاقة ومشروع الشرق الأوسط الامريكي القائم على تمزيق الدول إلى أقاليم وكانتونات بمواجهة إسرائيل قوية..
ثمة مفارقة لا بد من الإشارة اليها بعد خمس سنوات من العدوان والحصار، الأمم المتحدة تخفض موظفيها إلى النصف في “عدن المحررة” لانعدام الأمن فيها، وصنعاء تستقبل النازحين من عدن فرارا من جحيم القتال، وتستقبل عيد الأضحى بابتسامة عريضة تعكس تنامي قدراتها الدفاعية، والأمن الذي ينعم به سكانها وفي جميع المناطق تحت سلطة المجلس السياسي الأعلى.