صنعاء تعلن موقفاً شجاعاً إلى جانب “محور المقاومة” وتبقي الإمارات تحت النار
يمانيون../
حسمت صنعاء أخيرا الجدل حول انسحاب الإمارات من اليمن بعد خمس سنوات من الاشتراك في العدوان عليه، وبعد نحو شهر تضاربت خلاله الأنباء حول تقليص تواجد الجيش الإماراتي في اليمن ومشاركة الإمارات في العمليات العسكرية، أعلن المجلس السياسي الأعلى بأن مجريات الميدان لا تعكس حقيقة ما يتم الإعلان عنه في وسائل الإعلام وذلك في اجتماع عقده بالعاصمة صنعاء مساء الأحد.
للمجلس السياسي معطياته ميدانية التي تقف وراء إعلانه بأن أبو ظبي تكذب، وتحركاتها العسكرية تناقض تصريحاتها لوسائل الإعلام، محذرا في الوقت ذاته من أي تصعيد في جبهات الحدود والساحل وجاهزية الجيش والجان الشعبية للرد.
قرار السياسي الأعلى باعتبار الإمارات لا تزال شريكة أساسية في العدوان على اليمن سيكون له مفاعيله العسكرية حتما، ليس على مستوى العمليات العسكرية اليمنية وخاصة في عمق دول العدوان، وإنما إقليميا حيث يحتدم التصعيد الأمريكي الغربي ضد إيران بوصفها الرافعة القوية لمحور المقاومة الرافض لصفقة القرن وبيع فلسطين لليهود.
أبو ظبي مارست نوعا من الخداع فيما يبدو فسحبت بعض المعدات العسكرية من الساحل الغربي وجبهة مأرب، لكنها أبقت على عمليات التجنيد والتحشيد للتصعيد في الساحل الغربي وجبهات أخرى، وتدير نحو 90 ألف مرتزق تزودهم بمختلف الأسلحة الغربية بحسب اعترافات مسئوليها وتمنحهم الرواتب الشهرية.
وتصريحات المسئولين الإماراتيين على رأسهم وزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش بوصف التحرك الإماراتي الأخير في اليمن بإعادة انتشار دليل على كون الإمارات لا تزال تشارك في الحرب بصور وأشكال متعددة.
يضاف إلى ذلك أن الخطوة الإماراتية أيا كان مسماها لم تتبلغها صنعاء رسميا ولم يجر التفاوض بشأنها، ذلك ما يحمله بين السطور بيان ” السياسي الأعلى ” مساء الأحد كان الأحرى بحكام الإمارات بدل أن تجول الوفود الإماراتية على موسكو وطهران تتسول الوساطة، وكان الأسهل والأجدر والأوفر من ذلك كله طرق باب صنعاء كما يقول المثل اليمني، لشرط السلامة الإماراتية، فهي صاحبة القرار وفي يدها أضحى أمن الإمارات لا في يد الدول التي جالت عليها الوفود الإماراتية مهما بلغ درجة قربها، وقد سمع الموفدون الإماراتيون ذلك بوضوح، لكن العنجهية الفارغة جعلتهم يخطئون البوصلة ويتجهون لإقناع الرأي العالمي أنهم شرعوا بانسحاب وممارسة الخداع مجددا.
بالأمس قالت صنعاء بالفم الملآن أنها في حل من أي التزام تجاه الإمارات يجنبها خيارات الرد اليمني على التصعيد المرتقب في الساحل الغربي ومحافظة الحديدة، والرد المتنامي على دول العدوان، طالما لم تطرق أبو ظبي أبواب صنعاء، للتفاوض واستمرت في مخادعة العالم بينما هي تمضي خيار الحرب على الأرض.
بحسب متابعين فإن الإمارات لا تزال ترفض استيعاب واقع أنها هزمت في أول مواجهة عسكرية تخوضها خارج أراضيها، وكان الأحرى بها أن تواجه الهزيمة ومخاوفها بشجاعة.
ويضيف هؤلاء: كان على الإمارات الخائفة من التعرض لما يتعرض له الحليف السعودي من استهداف يومي، مواجهة الحقيقة المستجدة ومخاوفها المتنامية بشكل منطقي وهي من تدعي الواقعية في السياسة والمستقبل كما تروج لنفسها، وأن تذهب للجلوس مع من تراهم خصومها، فذلك الطريق الوحيد لكي تحصن نفسها أمام تنامي القدرات العسكرية اليمنية ومواجهة خسائر فادحة قد تقضي على مستقبل الدولة الناشئة في 72م برمته.
ويؤكد محللون دوليون بأن الإمارات لا تستطيع تحمل ما تتعرض له السعودية في الوقت الحالي، وقد ينهار اقتصادها بشكل مريع مع أول استهداف يمني لدبي أو منشئات حيوية أخرى في الإمارات، وهو ما يدركه حكامها وسربته وسائل الإعلام عن اجتماعات دارت قبيل إعلان أبو ظبي مراجعة سياساتها بشأن اليمن.
ويلفت بعضهم إلى أن يكون حكام أبوظبي يمارسون الخداع بحق حكام الإمارات الخمس الأخرى، والذين يختلف بعضهم مع حكام أبو ظبي في شان التدخل العسكري الإماراتي منذ بدايته في اليمن ومناطق أخرى، وفي حال ثبت ذلك فإن حكام أبو ظبي سيجنون على الإمارات الأخرى وفي المقدمة دبي التي لن تحتمل صاروخا يمنيا واحدا يطال منشئاتها الحيوية أو مطارها الذي يعد الأول عالميا من حيث عدد المسافرين عبره.
إقليميا يمكن اعتبار اجتماع المجلس السياسي الأعلى تاريخيا في توقيته وشجاعة مخرجاته بالنظر إلى مستجدات الوضع المتأزم في المنطقة والتحشيد الأمريكي البريطاني الصهيوني ضد إيران ومحور المقاومة، ومن المؤكد أن الإعلان اليمني في هذا التوقيت سيربك مجددا حسابات العدو الأمريكي بمحاولة تحييد اليمن وفصلها عن محور المقاومة مقابل عروض وإغراءات تحت مسمى الحياد عن الصراع الإقليمي حملتها الرسل إلى صنعاء.
“السياسي الأعلى” جدد من خلال تأكيده أن اليمن هي الطرف الحريص على أمن البحر الأحمر والتحذير من مؤامرات العدوان في ظل استعدادات قائمة للرد على أي تصعيد في الساحل أو جبهات الحدود، وجدد بأن اليمن ستكون في صلب المعركة ضد العدو الأمريكي وصفقة القرن التي يراد تمريرها عبر اخضاع محور المقاومة عسكريا بعد ان فشلت الاغراءات السياسية والاقتصادية عبر الاتفاق النووي، ولجأ أخير الى نقض الاتفاق والعودة الى خيار التلويح بالحرب، وهو موقف أصيل يحسب لليمن وشعبها الذي يخوض معركة التحرر ومواجهة أمريكا وحلفائها منذ خمس سنوات، ويرفض الفخاخ المنصوبة للنأي بعيدا والوقوف موقف المتفرج.
ويضع متابعون موقف المجلس السياسي في موقع الحكمة والرؤية البعيدة، فالأمريكي المشغول بالتحضير للحرب مع ايران يسعى لتحييد بعض الجبهات القوية إن امكن كجبهة اليمن بعدما شرعت في إظهار قدراتها المتطورة وقلبت مسار الحرب راسا على عقب، على ان يعود لها لاحقا ويستفرد بها، وهو ما يبدو أن القيادتين الثورية والسياسية في صنعاء تدركانه جيدا ولن تسمحا للأمريكي بتمرير خدعته، فالمنطقة في مواجهة الأمريكي تعد ميدانا واحد كما اكد السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله في خطابات سابقة، وعده دون غيره مفتاح النصر في مواجهة أمريكا وحلفائها، وترك أمريكا تستفرد بإيران أو ببعض أطراف محور المقاومة سيكون خطأ قاتلا ويكلف غاليا.
من غير المستبعد أن تدفع الإدارة الأمريكية المنطقة إلى آتون مواجهة مع إيران، في ظل عدم رضوخ إيران لخيار الموت البطيء اقتصاديا كما حصل في الثمانينات و تفضل ذلك إدارة ترامب حاليا، ونشهد حاليا دحرجة للوضع نحو الحرب تشمل على عجل إعادة افتتاح قواعد عسكرية في السعودية، وتعزيز الأساطيل العسكرية في مياه المنطقة وبناء التحالفات العسكرية تخت مسمى حماية حرية الملاحة في مضيقي هرمز وباب المندب، واحتجاز ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق، وإذا ما ربطنا مع ذلك الهجمات التي يقوم بها حلفاء واشنطن في سوريا بمنح المجموعات المسلحة أسلحة متطورة وذات مديات ابعد كما كشف هجوم مصاف السورية صباح الاثنين والهجوم على معسكر للحشد الشعبي في العراق والتصعيد المرتقب للمواجهة في الساحل الغربي لليمن فيمكن القول أن الحرب الأمريكية قد بدأت.
بنظر المتحمسين للحرب في إدارة ترامب واللوبي اليهودي في واشنطن فإن محور المقاومة يعاني الانهاك بعد سنوات من القتال في سوريا والعراق وفي اليمن الذي صدر ملحمة أسطورية في الصمود والاستبسال، وفقا للقاعدة الصهيونية قبيل عدوان 67م ضد مصر وسوريا والأردن “الآن أو لا مطلقا ” حين كان جيش عبد الناصر غارقا في وديان اليمن، ترى هذه الدوائر في داخل أمريكا والكيان الصهيوني بأن الوقت ملائم وهو الأنسب لضرب إيران، وقد لا يعود توجيه ضربة قاصمة لظهر حلف المقاومة ممكنا بعد ذلك.
وفي المقابل فما يمنع الحرب من وجهة نظر حلف المقاومة، أو يقصر من مداها إن هي وقعت، هو الاستعداد والتخطيط الجيد لها، والعمل وفق قاعدة الميدان الواحد على مستوى المنطقة في توجيه الضربات للعدو الأمريكي وحلفائه واستهداف مفاصل قوة هذا الحلف، ليتكلل الانتصار الشامل، وتعرف المنطقة سبيلها إلى الهدوء بعد سنوات من سكب دماء المسلمين في مختلف الأقطار..
الدعوة التي وجهها بالأمس ساسة إيرانيون لساكني القصور الزجاجية بالتوقف عن رمي الآخرين بالحجارة.. قد يكون النداء الأخير إذا ما اشتعلت المنطقة، لمن استمرأوا نشر الموت في الدول المجاورة ولم يختبروا الحرب الحقيقية، وأنستهم سنوات النفط الجوع في بلدانهم.
(إبراهيم الوادعي – المسيرة نت)