سجـــــون بلا أطفــــال … تحقيق
تقرير / نسيم محمد الرضا
منسيون في غياهب السجن.. يقبعون سنوات وراء قضبان النسيان ..تتجاهلهم أسرهم, ويقسوا عليهم القانون .. تبدأ قصتهم من تفكك اسري .. أوفقر وحاجة .. ورفقاء سوء وتشرد ..وتنتهي مغامرتهم الطفولية في مؤسسة عقابية ” سجن” , ويحتار أسياد القانون و تجار الأحلام الوهمية ومناصري الطفولة في توصيفهم فالطفل جانح أو حـــدث أو في نزاع أو خلاف أو تماس مع القانون…
دراســـة…!
“سجون بلا أطفال” هدف يتمناه العاملون في مجال الطفولة وتعزيز حقوق الطفل , كون السجون مؤسسات عقابية والطفل في “نزاع مع القانون ” بحاجة لتعديل سلوك بسبب اضطرابات نفسية لطفل غالباً ما يعاني من تراكمات اجتماعية ,وفقر عاطفي وعنف أبوي دفعه لعالم يفوق طفولته ,ليصبح مشروع مجرم مع سبق الإصرار والترصد.
حيث أوضحت دراسة نفذتها اللجنة الفنية لتعزيز عدالة الأطفال بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) عن حالة الأطفال في مؤسسات الإحتجاز وحصلت وكالة الأنباء اليمنية سبأ على نسخة منها ,استهدفت 217طفل في نزاع مع القانون في ثلاث محافظات (أمانه العاصمة, ذمار ,إب) في مؤسسات الإحتجاز (دار توجيه الاجتماعي –بنين ,دار التوجيه الاجتماعي –بنات, سجن احتياطي – سجن المركزي – مركز لاجئين), أن 49% من الأطفال محتجزين في السجن المركزي و22% في السجن الإحتياطي و21% في دار توجيه اجتماعي , حيث يقضون فترات طويلة “جداً” بالإحتجاز في انتظار الإجراءات من اقل من أسبوع إلى أكثر من سنتين و يقضي أكثر من %24 من الأطفال سنتين في أماكن الإحتجاز انتظاراً للإجراءات و17% يقبعون من سنة إلى سنتين و41% من شهر إلى سنة ويبقى أكثر من 17%في مؤسسات الإحتجاز اقل من أسبوع إلى شهر .
ولفتت الدراسة إلى أن 53% من الأطفال تم احتجازهم بدون تحديد فترة الإحتجاز , و46%تم احتجازهم مع تحديد الفترة ومعظمهم انتهت فترة احتجازهم دون تجديد.
فيما أكثر من 13%انتهت فترة احتجازهم وتعذر خروجهم لعدم التمكن من دفع التعويض, والأسرة غير مؤتمنة لتلقي الطفل , وآخرون عناوين أسرهم غير معروفة, والبعض أسرهم مجهولة, فيما ترفض أسر استقبال أطفالها في نزاع مع القانون.
تكرار الاحتجاز…
وألمحـت الدراسة أإلى أن ما نسبته 79%من الأطفال (المحتجزين) تم احتجازهم قبل وصولهم لمؤسسات الاحتجاز وهو ما يعني تكرار الإحتجاز للطفل في أكثر من مؤسسة احتجازية خلال إجراءات التقاضي, وتوزعت أماكن الإحتجاز في إدراة الأمن وقسم الشرطة وأماكن احتجاز أخرى .
وأرجعت الدراسة أسباب تكرار الإحتجاز لوجود خلل تنظيمي وتنسيقي لعملية الاحتجاز , حيث يوجب القانون أن الشرطة لا تحتجز الطفل في نزاع مع القانون أكثر من 24ساعة ولا تزيد مدة الإحتجاز بالنيابة عن أسبوع حين يكون الاحتجاز ملاذا أخير لا بد منه.
وأكد ت الدراسة على أهمية تطوير نظم السجلات وبيانات وأوامر الإحتجاز في المؤسسات المتعاملة مع الأطفال, كونهم يحتجزون بدون بيانات كافية وبدون معرفة فترة الإحتجاز.
وأفادت الدراسة أن قضايا الأطفال في مراحل التقاضي تتوزع على إجراءات الإستدلال والتحقيق وإجراءات المحاكمة وإجراءات التنفيذ , حيث تتجاوز 30% من قضايا الأطفال في إجراءات التحقيق والنيابة الفترات من أسبوع إلى أكثر من عامين ..
قضايا مستعجلة ….
وتستمر 50%من قضايا الأطفال في المحاكم , مشيرة إلى أن 83% من قضايا الأطفال المحتجزين , رهن الأجراءات, فيما 17%قيد تنفيذ الحكم, ما يشير إلى ضرورة التسريع في إجراءات التحقيق الإستدلالي والتقاضي كون قضايا الأطفال مستعجلة وفق القانون .
وبينت الدراسة أن الإفتقار للعون القضائي للأحداث يتجاوز 51%حيث يمثل محامي الأطفال 56% تم تكليفهم من أهالي الأطفال, ما يعني حرمانهم من العون القضائي (المجاني ) , مما يفسر أكتظاظ مؤسسات الاحتجاز بالأطفال .
وتوزعت قضايا الأحداث من الفئتين (ذكور وإناث ) بين السرقة والقتل والتشرد والتعرض للإنحراف وهتك العرض وتهريب سجين واشتراك في عصابة وشروع في السرقة وغيرها من القضايا .
حيث تمثل قضايا القتل نسبة 42%من إجمالي العنف الطفولي المفرط للذكور, مقابل 5،0% قضية قتل ارتكبتها الإناث ,تليها السرقة بنسبة24% قضية سرقة للذكور مقابل 2% قضية سرقة للإناث .
وتطرق التقرير إلى أن معظم قضايا السرقة تتعلق بأموال نقدية وعينية مما يتيح فرصة تطبيق العدالة التصالحية ومعظمها قضايا رهن الإجراءات وغير جسيمة , ويمكن تطبيق البدائل غير الإحتجازية في قضايا الطفولة غير الجسيمة من خلال العدالة التصالحية ومتابعة إجراءات العون القضائي .
ولفت التقرير إلى أن نصف الأطفال المستهدفين في الدراسة احتجزوا لفترات طويلة انتظاراً لتحديد سنهم ,لأن مؤسسات الإحتجاز تواجه صعوبة في تحديد سن الطفل القانوني في ظل شحه الأطباء الشرعيين .
حيث أعتمدت طريقة تحديد السن عن طريق شهادة الميلاد وتقرير طبي وأمر الإحتجاز وإفادة الطفل والتخمين , حيث يمثل التخمين نسبة 3,31% من مجموع الوسائل المختلفة لتحديد سن الطفل , مما يحتم الحاجة لتطوير آليات معرفة سن الطفل , من لحظة الإحتجاز الأولى لدخوله في نزاع مع القانون , ومن قبل احتجازه من خلال العون الطبي المتخصص للأطباء الشرعيين , وتعزيز نظام تسجيل المواليد ومساندة الجهود لإنشاء مركز طب شرعي متكامل من حيث البنية التحتية والتجهيزات والكادر حيث أن 6,8% من الأطفال عينة الدراسة مشكوك في أعمارهم , ومعرضين للخطر بتوقيع عقوبة لا تتناسب مع أعمارهم ومنهم معرضون لعقوبة الإعدام .
الجانب النفسي للطفل الحدث …
وذكرت الدراسة في الجانب النفسي والعقلي للطفل أن 40% من الأطفال يعانون من اضطرابات نفسية وسلوكية فيما تعرض 7،38%من الأطفال لإنتهاكات في مختلف مراحل مرورهم في نزاع مع القانون .
فيما أشارت الدراسة إلى أن الأطفال لديهم قدرات عقلية تتطابق مع شخصياتهم بنسبة 81%و79% منهم لديهم سمات اجتماعية إيجابية, مما يسهل عملية إعادة دمجهم بالمجتمع ومعالجة اضطرابهم السلوكي والنفسي وتعزيز السمات لديهم عند عودتهم لأسرهم والمجتمع.
ولخصت الدراسة طرق التدخلات لإعادة التأهيل والدمج من خلال التهيئة النفسية للأطفال مع إقتراب انقضاء فترة احتجازهم لإعادة دمجهم بالمجتمع ,وعمل جلسات إرشادية مكثفة للأسر التي ترفض إستقبال أطفالها وتقديم خدمات الرعاية الأسرية البديلة وتفعيل اللائحة التنفيذية للرعاية البديلة وغيرها من المخرجات التي تمثل خارطة تعديل سلوك الطفل في نزاع مع القانون في محاولة لحمايته من الإنحراف والرجوع للجريمة من خلال تحديد الفجوات الموجودة في الخدمات بعد أن أظهرت الدراسة أن 32% من الأحداث هدف الدراسة لا يتمتعون برعاية صحية نظراً لأفتقار الأدوات الصحية والكادر الصحي في معظم أماكن الإحتجاز , و 26%منهم يعانون من أمراض مزمنة فيما أكثر من 5%يعانون من إعاقات .
فيما رصدت الدراسة أن 79%من الأطفال لا يتلقون أنشطة تنموية في أماكن الإحتجاز, منها التعليم المدرسي و 67% لا يتلقون برامج محو أمية , فيما 88% لا يتلقون تأهيل , مما يؤشر لعودتهم إلى الجنوح لأنهم لم يخضعوا لبرامج تأهيل .
وأرجعت الدراسة توقف الأنشطة التربوية , نظرا لإفتقار مؤسسات الإحتجاز لمتطلبات تنفيذها من كادر ونفقات ودعم, فنسبة كبيرة من الأطفال لا يتلقون أنشطة إعادة دمج في الأنشطة الثقافية و الترويحية والعلاج السلوكي حيث أن 93% من الأطفال المستهدفين لم يغادروا السجن مطلقاً.
تجاهل أسري….
ووثقت الدراسة عزوف أهالي 68% من المحتجزين عن زيارتهم , زيارة دورية , ما يشير إلى قصور دور الأهالي في تعزيز إعادة دمج الطفل وتحسين حالته النفسية خاصة وأن 31%من الأطفال هدف الدراسة ليسو راضين (تماماً) عن تعامل أسرهم معهم وهو مؤشر عن دور الأسرة في جنوح الطفل.
وحددت الدراسة البدائل غير الإحتجازية في مراحل الإحتجاز بالتوسط وعرض الصلح ومتابعة الإفراج الفوري لعدم قانونيته في مرحلة الإستدلال ,وتدعيم استكمال تحكيم قبلي قائم ودعم جهود التصالح والإفراج عنه بالضمان وتقديم العون القضائي في مرحلة المحاكمة,ودفع تعويضات أو ديات وغرامات والتوسط وعرض الصلح بين الأطراف والإفراج المشروط وطلب إعادة النظر في تدابير الإيداع في مرحلة التنفيذ.
وأكدت الدراسة على أهمية فصل الأطفال في نزاع مع القانون عن سجون البالغين في مراحل الإحتجاز, بعد أن سجلت الدراسة احتجاز 43% طفل جانح في مؤسسات مشتركة مع البالغين مع تفاوت مراتب استقلالهم في مرافق هذه المؤسسات سواء أماكن النوم أو تناول الطعام أو العيادة مما يدل على إحتمالية تعرض الأطفال للأستغلال والإساءة والإنتهاكات نظراً لهذه الشراكة غير المتوافقة.
مشددة على ضرورة تعزيز البنية التحتية لمؤسسات الإحتجاز العامة بما يضمن إستقلال خاص للطفل الحدث إضافة إلى توسيع وتحديث الأقسام الموجودة حاليا في السجون.
وتقصت أهداف دراسة “حالة الأطفال في نزاع مع القانون في مؤسسات الإحتجاز “عن تصنيف حالة قضايا الأطفال في دور وأماكن الاحتجاز للفئات العمرية من (7سنوات إلى 18سنة) للنوعين ذكور وإناث ,بعد أن اعتمدت المنهج الوصفي “المسحي” والمنهج الوصفي “الأرتباطي” والتحليل الإحصائي والدراسة عن قرب لكل حالة .
عدالة صديقة للطفل..
أخيراً أكد قانون رعاية الأحداث رقم (24)لسنة1992م على أهمية تعجيل الإفراج عن الطفل الحدث في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة , وأضاف القانون شرط أن لا يضر ذلك الإجراء بسير العدالة ولا يشكل الطفل خطورة على المجتمع.
فيما تشير جميع القوانين الخاصة بحماية الأطفال الدولية على أهمية العدالة التصالحية أو العدالة الصديقة للطفل لضمان الكرامة الإنسانية للطفل الحدث أو الجانح أو في نزاع مع القانون أو الأطفال في ظروف صعبة حسب تسمتيهم في كثير من الدول العربية كون حماية الطفل من الأنتهاك في مراحل الإجراءات تحميه من السقوط في نفق الإنحراف والأنجرار إلى بشاعة الأجرام …