أفي سلامةٍ من ديني يا رسولَ الله؟!
يمانيون – كتابات – د. فاطمة بخيت
هكذا كان سؤالُ الإمام علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لرسولِ الله صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّمَ عندما أخبره بأن لِحيتَه سوف تُخضَّبُ من رأسِه، فأجابه الحبيبُ المصطفى: نعم، فجاء الرد: إِذَا لا أبالي.
رد مَن انطلق في هذه الحياة لا يبتغي سوى رضوان الله ولا يخشى أحداً سواه، رد من امتلك روحيةً تلاشت معها كُـــلُّ التعلقات الدنيوية، رد من كان جُلُّ اهتمامه أمرَ هذا الدين، وصلاحَ هذا الدين، ومواجهةَ أَعْــدَاء هذا الدين؛ لأَنَّه يعلم علمَ اليقين أن لا سلامةَ للإنسان إن لم يسلم له دينه.
فماذا حصل لمن تخلى عن دينه مقابل أن تسلمَ له دنياه سوى الذل والقهر والهوان؟
لم تشفع لهم التنازلاتُ التي قدموها لتسلمَ دنياهم، بل خسروا دينَهم وعزتَهم وكرامتهم.
قُتل الإمامُ عَلِيُّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- في أفضل الشهور ولم يكن قاتلوه كفاراً لا يؤمنون بالله ورسوله، بل كان قتلُه على يد من هم محسوبون على الإسْــلَامِ ويحفظون القُـــرْآنَ ويعلمون حدودَ الله وما أمر به ونهى عنه. لم يعلموا أنهم بقتله ارتكبوا جريمةً كبرى ليس بحق الإمام علي وحسب، بل بحق الدين والأُمَّةِ بكُلِّها، أرادوا لهذا الدينِ أن تضمحل معالمه، ويحلُّ الظلامُ بَدَلاً عَنْ النور، والباطل بَدَلاً عَنْ الحق، والفساد بَدَلاً عَنْ الصلاح..
لقد أراد أشقى أشقياء هذه الأُمَّــة أن تشاركَه في شقائه بقتلِه لعَلَمٍ من أعلامها، وفِعْــلًا خسارةٌ عظيمةٌ خسرتها هذه الأُمَّــةُ وكارثةٌ كبيرةٌ حلت بها عندما قُتل الإمام علي فتوالت تبعاتها على امتداد التأريخ وحتى يومنا هذا، وهيأت تلك الجريمةُ الكبرى لكثيرٍ من الصراعات والانحرافات على الساحة الإسْــلَامية، وَمَثَّلَ تسلُّطُ بني أُمية على رِقابِ الأُمَّــةِ نكبةً عظيمةً أخبر عنها رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (اتخذوا دِينَ الله دَغَلًا، وعبادَه خَوَلًا، ومالَه دُوَلًا).
لتتوالى نكباتُ الأُمَّــة يَومًا بعدَ آخر، فانحرفت عن المسارِ القويمِ والصراطِ المستقيمِ. وكما أن في زمننا هذا توجدُ تكفيريةٌ معاصرةٌ، فقد وجدت في ذلك الزمنِ تكفيريةٌ غابرةٌ، مثَّلَها ابنُ ملجم اللعين قاتلُ الإمام علي بإيعاز من معاويةَ؛ لضربِ الإسْــلَامِ المتمثلِ في شخصِ الإمام علي -عَلَيْهِ السَّلَامُ-.
لكن برغم ذلك يبقى الإمامُ عليٌّ طوداً شامخاً لا يقاسُ به من سواه، ونموذجاً للإسْــلَام المحمدي الأصيل، وقدوةً حَسَنةً لكل المسلمين، والطريقَ القويمَ الذي ينهجُه السالكون، وعَلَماً يهتدي به الموحِّدون، ولو كره الكافرون والمجرمون والجاحدون والمعاندون.