بين يدي الإمام علي عليه السّلام
زينب إبراهيم الديلمي
لم تُعرِفِ الدُّنيا رَجُـــلًا استطاع أن يتربَّعَ على عرش حُبِّ الله وتولّي اللهِ والرسول ومضيّه في صراط الحق المُستقيم.. وتوقهِ أن يتحصَّنَ بدرع الله الواقيّة خشية أنّ يقع في الذنوب والآثام ويكون مثالًا لأخيه وابن عمّه النّبي الأكرم..
ومَن كمثل ”الإمام علي بن أبي طالب” الذي تربّى في حِجْر الرسول الأعظم وعاش في مائدة النبّوة.. ذاك الذي لم يسجُدْ لأي صنم من أصنام قريش منذُ صِباه، وإنّما شبَّ في كنف النّبي واشتد عودهُ حتى صارت فضائله الجليّة وأَخْـــلَاقه العاليّة أَكْثَـــرَ من أنّ تُحصَى.. ومناقبُهُ أبعدَ من أنّ تتناهى..
عندما نقرأُ سيرةَ ذاك الإمام وذاك الولي الذي كان خَلَفًا للنّبي في عصره، ونستحضر فهرس معاني تولّيه وحبّه واتخاذ منهاجه.. فذلك نفعٌ في حياتنا؛ لكي تكونَ سيرتُهُ العظيمةُ منارًا وشعاعًا يُنير لنا قلوبَنا وزادنا الإيْمَــاني.. نُحيي ما أحياهُ الإمام في زمانه، والحديث عنه لا تسعُهُ المُجلّداتُ ولا تُحصيهِ الأرقامُ ولا تنفد المدادُ ولا تتعددُ القواميس..
وعندما نُدركُ أهميّةَ التولّي لأولياء الله وأهمّية تولّي الإمام علي عليه السلام الذي نصَّبهُ الرسول الأعظم من بعده كمولى للمسلمين وخليفةٍ من بعده بأمر من الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- في يوم الغدير الأغر.. ليُصبح النّاسَ على بُرهانٍ واحد أن يتولّوا الوصيَّ الإمام عليًا من بعد النّبي.. فلا نبيَّ بعد محمّد ولا كتابَ بعد القُرآن ولا دينَ بعد الإسْـــلَام..
قيلَ عن الأمير عليه السّلام كثيرًا في أحاديث الرسول “صلوات الله عليه وآله” ومما قيل عنهُ: “عليٌّ مع الحق والحق مع علي” وفي موضع آخر في الحديث، “عليٌّ مع القُـــرْآن والقُـــرْآن مع علي” وأيضًا، “أنا مدينة العلم وعليٌّ بابُها”، وأجمل ما قيل عن الوصيّ المُرتضى: “من أراد أنّ ينظر إلى يوسف وجماله، وإلى إبراهيم في سخائه وإلى سُليمان في بهجته وإلى داوود في حكمته فلينظر إلى علي بن أبي طالب“.
فهذه الأحاديث الكثيرة التي رويت عن الإمام علي ومدحه وثنائه “عليه السّلام” دليلٌ على وجوب تولّينا وحبّنا للإمام.. فإنَّ حُبَّه وتولّيه براءةٌ من النّار، نعم واجب على كُلِّ صغير لا زال في ذروة شبابه وعلى كُلّ كبير قد أصبح طاعنًا في السّن، فهو وليُّ الله الأعظم والإمام الأَكْبَـــر لبني البشر.. وهو بابُ مدينة علم رسول الله وهو من بعد الرسول الذي يُخرجنا من براثن الباطل وَالظلمات إلى أوج الحقّ والنّور..
لقد زادت مساعي انحرافِ الأمّة الإسْـــلَاميّة من خلال ما اقترفتهُ يدُ بني أُميّة وما صنعتهُ جريرةُ “معاوية بن أبي سُفيان” الذي كان يتخذَّ المساجدَ المُعمَّرة بذكر الله مساجدَ ضرارًا يتخذَّ منها الأحكامُ التي تتنافى مع حكم الله وكذا رفع المصاحف على رؤوس الرماح.. وكان كثير اللعن والشتم للإمام عليه السّلام.. فصنع ما أجبر عليًا على البُكاء كالثكلى على أُمّة محمّد، تمامًا كما تفعلُ به جريرةُ بني سعود وصهيون الذين سلكوا طريق جدّهم معاويّة اللّعين.. من خلال العداء لشعوب الأمّة والعدوان عليها وخاصّةً “العدوان على اليمن” الذي تشنّه أدوات الصهاينة والأمريكان وأصحاب العقالات منذ أربع سنوات ورفعوا المصاحفَ على رؤوس الصواريخ..؛ لأَنَّهم يعلمون علمَ اليقين أنَّ الشعب اليمني يتولّى الإمام عليًا بكُلّ حفاوة وصدق وإخلاص ويقين، ومساعيهم أنّ يطمسوا معالمَ التولّي لدى الشعوب الإسْـــلَامية عامّة.. وحاشا لله أنّ نتراجعَ عن قيمنا ومبادئنا التي حظينا بها منذُ دخول الإمام علي إلى اليمن حتى السّاعة..
“لا يُحبُّك إلاّ مؤمنٌ ولا يُبغضُّك إلاّ مُنافق“.. هذا الحديثُ وهذا المديحُ العظيمُ الذي استوقفنا جميعًا وتأمّلنا مدى عظمة الإمام علي ومنزلته عند الله وعلوه وشموخه أوجب علينا حُبُّ وتولّي إمامٍ قد اجتمعت فيه خُلاصةُ المقامات الإلهيّة التي منحه الله لأوليائه.. خاصّةً وأنّ الإنْسَــان مُخيَّرٌ في أمرَين، “إمّا مؤمنٌ صريحٌ أَو مُنافقٌ صريح”..
فمن المؤكّـــد أنّه لا يضارعُهُ أحدٌ بعدَ النبي فيما وهبه اللهُ من الكمالات ومعالي الآداب والأَخْـــلَاق.. سوى أنّ هذا الطريق سَلكهُ اثنان من أعلام هذا الزّمان واتسما بسمات الكمال والآداب الفاضلة وهما، “السيّد عبدالملك بدر الدين الحوثي، والسيّد حسن نصر الله” سلام الله تعالى عليهما في العالمين اللذَيِن أشعلا مُجددًا رسالاتِ النبّوة المُحمّدية..
وما قتَلَهُ أشقى الأشقياء ابنُ مُلجم بسيفهِ الغادرِ وَالمسموم.. وما اندثرَ منهاجُ أتقى الأتقياء.. وما انطمست سيرة أبي تُراب في حياتنا، هيهاتَ هيهاتَ إن مات وإن اندثر وإن انطمس.. بل هو حيٌّ عند الحيِّ الذي لا يموتُ، وهو الطائرُ القُدسي الذي يُحلِّقُ في ملكوت الله.. وهو الذي يشفعُ لمن والاه وسلك سبيلَ الله الأعظم.. وهو الأمانُ يوم الفزع الأَكْبَـــر، هو الذي انتشل الأمّةَ من قعر الجُبّ؛ خوفًا من أنّ تغرقَ مجدّدًا في الضلال والضياع والخُسران المُبين.. ولولا سيفُهُ البتّار لما قام الدينُ واستقام.. ولما انهدت صولةُ الكافرين والمنافقين.