الأبعاد والرسائل ومن وراء إستهداف الطيران اليمني العمق السعودي
قرأة تحليلة / شارل أبي نادر
تتسارع الأحداث الحساسة في المنطقة بشكل لم يعد من قدرة على متابعتها بشكل مفصَّل، وحيث يحتاج كل من هذه الاحداث الى فسحة غير ضيقة من الوقت ومن المعطيات، للوقوف على ابعادها وارتباطاتها وما يمكن ان يترتب عليها من نتائج ومضاعفات، يأتي الحدث اللاحق ليفرض نفسه، وبمعطيات ووقائع مختلفة، تفرض المتابعة والتركيز الكامل.
بعد الاستنفار العسكري الأميركي الأخير بمواجهة ايران على خلفية الاشتباك الصاخب والمعروف بين الطرفين، والذي استدعى من طهران ردا عملياتيا في الجهوزية وفي توسيع انتشار الوحدات المختلفة، البحرية والجوية والبرية، لدرجة بدا للمتابعين أن عناصر اندلاع المواجهة العسكرية اكتملت تقريبا، ولم يعد ينقصها الا شرارة صغيرة، وما أكثرها، جاءت حادثة “التخريب” كما ارتأى الخليجيون تسميتها قبالة مرفأ الفجيرة، والتي كانت عبارة عن تفجيرات موضعية مدروسة، طالت عدة ناقلات نفط وسفن تجارية متعددة الجنسيات، ومنها اثنتان سعوديتان، لتعطي المشهد بُعداً غامضاً ودقيقاً، وحيث لم تتبنَّها أي جهة، اخذت ايران نصيبها كاملا من التصويب الخليجي والاقليمي غير المُبَرَّر وغير المُثبَت، بعد أن ربطوها بما تتعرض له طهران من ضغوط تستدعي منها عملا غيرَ عادي للخروج من تلك الضغوط.
وفي الوقت الذي لم تكن فيه حادثة الفجيرة قد أخذت حقها في التحليل والدراسة، جاءت عملية استهداف سبع طائرات مسيرة يمنية لمنطقة الرياض السعودية ولأهداف نفطية استراتيجية، هي عبارة عن خطوط نقل رئيسة للنفط السعودي بين شرقها على الخليج وغربها على البحر الاحمر، لتعيد خلط الاوراق من جديد، ولتفرض نفسها حدثا رئيسا في المنطقة، لما تحمل من ابعاد مختلفة، يمكن تحديدها كالتالي:
الأبعاد العسكرية والعملانية
ـ لم تكن عملية استهداف العمق السعودي بسرب من الطائرات اليمنية المسيرة، بعيدة كثيرا عن مسار متصاعد من المناورة الجوية اليمنية، وقد كانت العملية منتظرة طبعا من جميع متابعي هذا المسار، وخاصة بعد (الخطة – البرنامج)، التي وضعها السيد عبد الملك الحوثي زعيم حركة انصار الله قائد الثورة اليمنية في بداية العام الخامس من الحرب على اليمن، وهذا المسار المتصاعد كان يفرض نفسه تدريجيا، لناحية تطور التصنيع وامتلاك القدرات الاستراتيجية الصاروخية او المتعلقة بالطيران المسير، او لناحية التدرج المتصاعد في اختيار الاهداف الاستراتيجية تباعا، وعشرات عمليات الاستهداف النوعية التي نفذتها طائرات يمنية مسيرة، كان تثبت ذلك يوما بعد يوم.
ـ أن تقوم سبع طائرات مسيرة باستهداف بقعة هدف على مسافة تتجاوز 800 كلم، من دون ان تنجح انظمة دفاع جوي من الاحدث عالميا في مواجهتها ومنعها، فهذا يعتبر عملا عسكريا وتقنيا لافتا، يحمل الكثير من الابعاد التي تستدعي التوقف والمتابعة، ويعطي صورة واضحة لما وصلت اليه قدرة التصنيع والمناورة الجوية لدى الجيش اليمني واللجان الشعبية من مستوى عالمي متطور، خاصة ان البقعة المستهدفة داخل السعودية، وفي هذا التوقيت الحساس من الاستنفار الاقليمي العسكري، من المفترض ان تكون خاضعة لأوسع شبكة حماية جوية وصاروخية.
الأبعاد الاستراتيجية
يمكن وضع الأبعاد الاستراتيجية للعملية في اتجاهين، الأول يمني والثاني اقليمي دولي، وحيث من جهة، اعتبرت أغلب الجهات الاقليمية والدولية ان هذه الابعاد هي نفسها مرتبطة ببعضها البعض بالكامل ولا يمكن تفريقها، اعتبرتها من جهة ثانية الاوساط المتابعة والقريبة من ايران او من الجيش واللجان الشعبية اليمنية انها مختلفة ومستقلة عن بعضها البعض، وذلك على الشكل التالي:
البعد الاستراتيجي اليمني: خلال كامل سنوات الحرب على اليمن، وحيث اخذت المواجهة كامل ابعادها العسكرية والميدانية في الداخل اليمني، تطورت المناورة اليمنية انطلاقا من الحدود مع السعودية لتصبح مناورة عسكرية بأبعاد استراتيجية، إذ رأى اليمنيون أن نقل المواجهة الى خارج الحدود، يضع الاشتباك في خانة اقليمية او شبه دولية، اولا بهدف زيادة الضغوط العسكرية على الوحدات السعودية كمناورة استباقية دفاعية، وأيضا بهدف زيادة الضغوط الخارجية على المملكة، وإثبات أن المواجهة هي عدوان خارجي على اليمن، وليست أبداً مواجهة داخلية او حربا اهلية كما تدعي دول تحالف العدوان على اليمن، فحملت عملية الطيران المسير داخل العمق السعودي هذه الابعاد الاستراتيجية من منظار يمني مستقل.
البعد الاستراتيجي (الاقليمي ـ الدولي): لقد كانت مناورة الجيش واللجان الشعبية العسكرية خارج الحدود، مرتبطة دائما بالميدان اليمني، وبحركة ومسار الجبهات الداخلية، والى ماذا تحتاج هذه الجبهات من اوراق ضغط حدودية، شمالا مع السعودية او غربا على ساحل البحر الحمر وصولا الى مضيق باب المندب، ولكنها ايضا لم تكن يوما مناورة منعزلة عن البعد الاقليمي، الذي تسيّره عناصر المواجهة الاقليمية بين ايران والدول الخليجية التي تخاصمها او تعاديها، فالحرب على اليمن أساساً شُنَّت من قبل اطراف اقليمية ودولية لأن ابناء اليمن اختاروا التحرر من الهيمنة الاقليمية والسعودية بالتحديد، ولأنهم ثبتوا في المحور المعادي للعدو الاسرائيلي، المحور الذي كانت دائما ايران رائدته في المنطقة، وهنا يمكن ان نعطي للعملية البعد الاستراتيجي الاقليمي ـ الدولي.
أخيراً، وحتى لو كانت عملية الطيران المسير اليمني بالأمس متناغمة مع المناورة الايرانية، لناحية التوقيت المناسب في تركيز الضغط على السعودية وعلى الامارات، اللتين تمثلان حاليا العدو الثنائي المنخرط في الاعتداء على كل من ايران واليمن، بنفس التوجهات وبنفس الذهنية المدفوعة خارجيا وبالتحديد اميركيا، فلا ضير بتاتا لو جاءت عملية الاستهداف اليمنية للعمق السعودي بالتنسيق مع ايران، لناحية الضخامة أو لناحية اختيار الهدف الحامل لأكبر قدر ممكن من الرسائل الحساسة للجميع.