بريطانيا بين هيمنة الماضي وأوهام الحاضر
كتبت / سعاد الشامي
مثلت بريطانيا النموذج الأول في غزو واحتلال العالم ونهب ثرواته واستعباد البشر في العصر الحديث حتى أصبحت في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي أكبر قوة استعمارية على وجه الأرض . وأطلق عليها مصطلح المملكة التي لا تغيب عنها الشمس ؛ وذلك عندما أمتد نفوذها الاستعماري وغطى معظم دول و بلدان العالم.
وكما هو الحال في شرعة ومنهاج الطغاة والغزاة والمحتلين في حماية مشاريعهم الاستعمارية والإجرامية ووضع الخطط وإتخاذ الخطوات التي من شأنها إعطاءهم ضمانة التسلط وإستمرارية الإحتلال . وكان يتمحور الإهتمام البريطاني في السعي الحثيث لعمل كل ما من شأنه إبقاء تلك الدول التي تحت سيطرتها في حالة من الخلاف والنزاع و الضعف والهوان والتفكك . وجعل شعوبها يعمهون في دوائر التخلف المادي والجهل الفكري والتبعية العمياء لها بعيدين عن كل اكتساب العلوم والمعارف التقنية ؛التي قد تساعدهم على إمتلاك القوة العسكرية والنهوض الحضاري في كل المجالات وبذلك يشكلون تهديدا عليها.
وبما أن دول الوطن العربي تمتلك الثروات المتعددة والهائلة و تتمتع بموقعها الإستراتيجي الهام .كانت بريطانيا تعتبرها الشريان الحيوي للإستعمار . وسعت بكل إمكانياتها وقدراتها المادية والمعنوية إلى إخضاع هذه الدول وجعلها تحت سيطرتها من خلال حبك تلك الخطط الماكرة عبر المؤتمرات والمعاهدات والإتفاقيات . والتي لو عدنا إلى التاريخ وقلبنا صفحاتها وفتشنا بين سطور بنودها الشريرة لوجدنا ما يثبت لنا اليوم حقيقة مساعي بريطانيا في بلادنا.
دعونا نعود إلى تاريخ 1907م ، عندما دعا رئيس وزراء بريطانيا آنذاك كامبل بنرمان الدول الاوروبية المتحالفة معه لتشكيل جبهة استعمارية بغرض توسيع الأهداف الإستعمارية في آسيا وأفريقيا والتصدي لكل المخاطر التي تهددها . وأهمها الخطر القادم من الشرق الأوسط ، وحينها قالها كامبل بصريح العبارة ( هؤلاء العرب يمتلكون كل مقومات النهوض والتمكين والأزدهار والتقدم والرقي ولاينقصهم سوى وجود القيادة الحكيمة وهذا ما لا ينبغي أن يكون) .
لذلك تحرص كل القوى الاستعمارية على التزامها بهذا المبدأ الجوهري في ترسيخ جذور الإحتلال والهيمنة من خلال صنع قادة ورؤساء عرب ضعفاء وجبناء وحقراء وحسب الطلب الغربي ؛ والتصدي والمواجهة بكل الإساليب الممكنة لكل قائد عربي حر وشجاع يكشف مخططاتهم الماكرة ويقلب موازين قواهم ويهدد مشروعهم الاستعماري.
فلا تثريب اليوم خاصة بعد التهديد الأخير الذي وجهه قائد الثورة التحريرية في اليمن السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي إلى دول العدوان من منطلق المسؤولية في الدفاع عن الوطن وبلغة القوة والتحدي ، أن تنظر إليه بريطانيا بعين الحقد والنكران وتصف أهل اليمن الأحرار والمدافعين عن بلادهم بالمحتلين .
صحيح أنه مع ثلاثينيات القرن العشرين بدأ نقل مركز نفوذ الهيمنة العالمية من لندن إلى واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية التي خرجت منها الولايات المتحدة قائدا للجبهة الاستعمارية بلا منازع ، ولكن لا يعني هذا أن بريطانيا تخلصت من هويتها الحقيقية وفقدت رغبتها في إحتلال الأوطان ونهب الثروات . لا والذي جعل وزير الخارجية البريطانية يصرح من داخل مدينة عدن الراضخة حالياً تحت الإحتلال الأماراتي ماهو إلا الشوق والحنين إلى إحتضان عدن وعودتها مجددا إلى الحضن البريطاني . وإنها ذات الأهداف الموحدة وذات القواسم المشتركة بين النفسية الأمريكية والنفسية البريطانية والنفسية اليهودية والنفسيات الموالية لهم .
فإن اليمن ستظل عصية عليهم ومقبرة لهم ما دام فيها القيادة الحكيمة والمنهج القرآني السليم ورجالها الأحرار الذين هم بحق أبطال هذا العالم.