بين الاستعباد والاستبعاد
عبدالله علي صبري
النفوسُ الحُرَّةُ والأبيةُ لا تقبَــلُ الضيمَ والاستعبادَ، وعندما يحل بها الإجحافُ فإنها تقاومُه بكُلّ الوسائل المتاحة لديها، فكيف عندما يكون هذا الحَيْفُ على أيدي الغزاة والمحتلين؟.. إن المقاومة هنا تكتسبُ عُنفواناً جَمْعياً يُفضي إلى انتفاضة ثورية عاجلة أَوْ آجلة.
ولا يحدث أن تستكينَ الشعوبُ إلا في ظروف وصفها مالك بن بني بمصطلح القابلية للاستعمار.
وشعبُنا الـيَـمَـني كان على مدار التأريخ متيقظاً في وجه كُلّ غاز ومستعمر، سواءٌ قبل الإسلام أَوْ بعد الإسلام.
وعندما استقر الغازي البريطاني في جنوب البلاد لعُقُود من الزمن، فإن ثورة الشعب في الشمال ضد الاستبداد في 26 سبتمبر، هيّئت لثورة الشعب في الجنوب ضد الاستعمار في 14 أكتوبر، وُصُولاً إلى الاستقلال في 30 نوفمبر 1967.
يتجاهل الغزاة الجدُدُ اليوم تجاربَ التأريخ، فإذا بهم يتداعون على الـيَـمَـن، مستغلين الحالة الداخلية التي دفعت بثُـلّة من الانتهازيين إلى الارتماء في أحضان الرياض، وجلب عدوان سافر على شعبنا؛ بهدف إعادة نفرٍ من المرتزقة إلى السلطة، حتى ولو كان الثمن استعبادَ واحتلال الـيَـمَـن وإذلال شعبها وانتهاك كرامتها وسيادتها.
سيدافع شعبُنا بكل قوة واقتدار عن أرضه وعرضه وشرفه وحريته حتى لا يُستعبد، وسيطرد الغزاة المحتلين ويقتصُّ من المرتزقة والخونة، ولن يقبل بعودة الوصاية الخارجية مهما كان الثمن، وما تدافُعُ القبائل وتوقيعُ مئات الآلاف منهم على وثيقة الشرف التأريخية إلا عنوان لملحمة يستعد شعبنا لخوضها في مختلف جبهات وميادين الكرامة بمأرب والجوف والحديدة وتعز، وغيرها. وكما قال السيد عبدالملك الحوثي في خطابه أول أمس، فإن انتصارَ الشعوب المستضعفة، عندما تتحرك، مسألة حتمية مرتبطة بالسنن الإلهية. ولا يدرك مثلُ هذه الحقائق إلا ذوو الفطرة السوية ممن تتوافر لهم المناعة الفكرية والنفسية ضد مختلف صور القابلية للاستعمار.
تقولُ لبعض المتثاقفين: إن اللحمة الوطنية في وجه العدوان ضرورة دينية وأخلاقية. فيرد عليك أن لا حرَجَ في الاستعانة بالخارج في مواجهة المستبد الداخلي، في إشارة إلى أنصار الله، الذين يشكّلون سلطة الأمر الواقع منذ 21 سبتمبر 2014، متناسين أن اتفاقية السلم والشراكة منحت مختلف القوى السياسية الفاعلة فرصة حقيقية في إدارة الشأن العام لو صدقت النوايا.
لكن الأحزابَ السياسية لم تكن في مستوى المسئولية، وقد عملت مستعينةً بالخارج على إفشال اتفاقية السلم والشراكة، وتعطيل حوار موفمبيك، ليس لأن أنصار الله أقصوا هذا الطرَفَ أَوْ ذاك من الشراكة في السلطة؛ بل لأن بعضَ هذه الأطراف كان يرفض في الأصل أية شراكة مع أنصار الله في السلطة.
وقبل 21 سبتمبر كانت الفترة اللاحقة لمؤتمر الحوار الوطني عنواناً للإقصاء والاستبعاد، فقد توافقت القوى التقليدية وبينها المخلوع هادي على فرض رُؤية للدولة الاتحادية دون اكتراث لمعارضة أنصار الله.
كما رفضت هذه القوى إعادةَ تشكيل الحكومة بما ينسجمُ ومبادئَ الشراكة الوطنية المقرة في مخرجات الحوار. وزعمت تلك القوى أن الحكومة حكرٌ خالصٌ على الأحزاب المدنية في البلاد!!!.
طوالَ يوميات مؤتمر الحوار الوطني كانت هذه القوى تتعامَلُ مع أنصار الله كمكون سياسي، وعندما حانت ساعة الشراكة الوطنية، قالوا عن أنصار الله: إنهم جماعة ميليشاوية لا أَكْثَــر.
وبعد أشهر محدودة فشل المشروعُ الاستبعادي لهذه القوى وخسرت السلطة كلية، لكن بدل أن تتعامل مع اليد المدودة إليها في الداخل سقطت أَكْثَــر وأَكْثَــر وهي تلجأ إلى الاستعمار والاستعباد، متباكين كالنساء على مُلْكٍ لم يُحافظوا عليه كالرجال!.