الــــوطـن الأكـــبر !
بقلم / عبدالله علي صبري
* والأمة العربية دولاً وشعوباً تعيش حالة اضطراب واحتراب غير مسبوقة، يغدو الحديث عن وحدة الوطن العربي الأكبر، نوعاً من السباحة في الخيال، وهروباً من الواقع النكد إلى المثال الطوباوي السعيد، خاصة وأننا في ظل الدولة القطرية نعيش مخاطر تقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، بل والعودة إلى ما قبل الدولة في بعض الحالات.
لم أكن متحمساً من قبل للقومية، والانتماء العروبي، لأني أعتقد – وما زلت – أن الرابطة الدينية أرقى من الانتماء إلى التراب والجغرافيا، ولم أكن بحاجة إلى مراجعة هذا الموقف، لأن العقدين الماضيين شهدا صعود الإسلام السياسي، في مقابل انحسار المد القومي، وصولاً إلى الربيع العربي 2011م، الذي استغلته حركة الإخوان المسلمين، للوصول إلى السلطة والتبشير بدولة الخلافة الإسلامية.
فشل الإسلام السياسي سريعاً، وبغض النظر عن الأسباب والعوامل، فإن هذا الفشل يضعنا أمام حقيقة أن أخونة السلطة كانت تدفع بتحالفات إقليمية لا تضع للعروبة الوزن المستحق، وقد شهدنا كيف أن تركيا قد لعبت دورا كبيراً في تمكين الإخوان بمصر وتونس وليبيا واليمن، على عكس الدور السعودي الذي لعب في الاتجاه المضاد. وبين الدولتين اندفعت إيران لدعم ما سمته بالصحوة الإسلامية في المنطقة، قبل أن تواجه بالصدً من منطلق طائفي لا أكثر، وهذا يعني أن الإسلام السياسي الإخواني غدا إطاراً سنياً، وطاردا للشيعة. ( هذه النقيصة تنطبق أيضا على حركات الإسلام السياسي الشيعي التي يغلب عليها الطابع المذهبي والطائفي).
وعلى العكس من الإسلام السياسي، سنجد أن المشروع القومي العربي كان وسيبقى جامعاً للعرب سنة وشيعة، ومسلمين ومسيحيين.. وهنا سر تميز الفكرة القومية.
لست هنا بصدد الخوض في السجال الجديد القديم بشأن القومية والإسلام، فكما أسلفت، فإن الرابطة الدينية أرقى وأرفع درجة، لكنها في الأخير يجب أن لا تكون قفزة على الرابطة القومية.
قبل سنتين أو أكثر كنت في زيارة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ووجدت شعباً معتزاً بدينه وبقوميته في آن واحد، لكن الأهم من ذلك أني رأيت بأم عيني معالم دولة حقيقية متقدمة في مختلف الصعد.
كنت وما زلت أقارن بين اليمن وإيران، فأجد البون شاسعاً.. الأمر نفسه حين أقارن وضع اليمن بأية دولة متقدمة في الشرق أو في الغرب.
حتما ستتقدم اليمن يوما ما، غير أن هذا التقدم وإن تحقق سيظل منقوصاً، لأن الدول الحديثة اليوم قامت على أساس قومي، ففي العالم مثلاً دولة وقومية فرنسية واحدة، ودولة وقومية إيرانية واحدة، ودولة وقومية ماليزية واحدة، لكن في الوطن العربي قومية واحدة و22 دولة، وهذا هو الفرق.
ماذا لو قامت دولة عربية واحدة أو حتى مجرد اتحاد عربي؟
كم ستكون قوة إيران أو تركيا أو اسرائيل إلى جانب قوة هذه الدولة إذاً؟
وإذاً، لن أضيف جديداً إن قلت أن المشروع القومي أكثر حاجة وواقعية للأمة العربية اليوم وغداً، ومطلوب من الإسلام السياسي أن يستوعب المشروع القومي العربي قبل أن يقفز إلى حلم الدولة الإسلامية، ذلك أن فكرة الإنتماء إلى الوطن القومي الأكبر تظل صمام أمان الدولة القطرية، التي يتهددها التشطير والانقسام المجتمعي الحاد.
ولكن ..هل لا يزال هناك قوميون عـرب يحملون مشعل الأمل مجدداً؟