أسر كاملة أبيدت..وتحول المكان إلى كومة لحم ودماء
مجزرة المخا ..الاعتراف الدولي والإنكار السعودي…
تحقيق وتصوير/حاشد مزقر
حين تتحول مصائر الإنسان إلى لعبة بيد بعض بني البشر ممن غادرت الإنسانية ضمائرهم ..يصبح الحال كما شريعة الغاب ..والشاهد وحشية وعنجهية العدوان السعودي وتحديدا هذه المرة في مدينة المخا المسالمة ..التي ترفل بالسلام والسكينة ..
وحشية الأنظمة الحاكمة دولياً نال قسطا منها الإنسان اليمني بعد أن باتت مسألة حياته وموته تصدر من غرف عمليات العدوان السعودي ومن خلفها مرتزقة الرياض الذين باعوا أنفسهم للشيطان .. الشيطان الذي وجه بقصف وقتل أبناء مدينة محطة المخا البخارية والحصيلة حتى الآن 120شهيدا و194 جريحاً .. (الثورة) زارت الجرحى في مستشفيات محافظة الحديدة وخرجت بهذه الحصيلة..
خالد مساعد احد قاطني مدينة كهرباء المخا استشهدت زوجته وإحدى بناته وأصيب هو بجروح خطيرة.. لم يع ماحصل له حتى الآن وهو في مستشفى الثورة بالحديدة يقول:لم نكن نتوقع استهداف مدينتنا بهذه الوحشية وبعدد كبير من الصواريخ فعندما تم قصفنا بأول صاروخ كنا في شوارع المدينة وكنا نعيش أجواء طبيعية وعند سماعنا للانفجار الأول هرعنا إلى شققنا فإذا بأصوات الطائرات تحلق بصوت عال فما هي إلا ثوان قليلة حتى سقطت على مساكننا ثمانية صواريخ خلال ربع ساعة لم نستطع الهرب واجهنا مصيرنا المحتوم ومن لاذ بالفرار أصابته الشظايا ومن بالداخل سقطت على رؤوسهم أسقف البنايات ففارقوا الحياة ومن نجا فإنه إما مبتور الساقين أو أحد أعضائه أو مصاب بإصابة خطيرة .
ويكمل حديثه بصعوبة :أما من نجا من الكارثة فإن بشاعة ما ارتكبه العدوان الغاشم بحق أهله وإخوانه من سكان المدينة كان كفيلا بجعله يذوق الم القهر والحسرة عليهم بألم يوازي شدة ماعاناه من فارق الحياة آلاف المرات وهو ما يجعلنا في أسى متواصل.
وزاد بالقول : سكان هذه المدينة، موظفون مدنيون لانحمل السلاح وليس بجوارنا أي موقع عسكري بل إننا نسهر الليالي الطوال في العمل بمحطة الكهرباء من أجل أن تصل خدمة الكهرباء لأبناء محافظة تعز وهذا بحق عمل إنساني.
ويضيف: جيراني المقابلون لي استشهدوا بأكملهم والأسرة التي بجواري وفي الشقة الموازية لشقتي استشهدوا أيضا جميعهم عدا شخص واحد وهم أسرة أحمد الوصابي كما أن أسرة مكونة من إحدى عشر فردا استشهدوا بأكملهم ولم يبق منهم أحد وهي أسرة بيت ماوية.
طائرة استطلاعية
احمد قائد علي البعداني / فني ميكانيك في محطة المخا الكهربائية يروي لنا تفاصيل قصته مع المأساة:
كنت قبل الحادثة بثلاثة أيام اسمع بوضوح صوت الطائرة الاستطلاعية في سماء المخا لكننا لم نعرها اهتماما فمن المستحيل جداً أن يتم قصف مدينة سكنية تضم مائتي أسرة بكل هذه البشاعة فمنذ أن سكنت هذه المدينة عند التحاقي للعمل في هذه المحطة سنه 86م لم أشاهد في مدينتنا أي مظهر من مظاهر السلاح وأنا من أبناء المنطقة لا أصدق بأنني خرجت أنا وأسرتي سالمين ورغم إصابتي بالشظايا وكذلك ابني إلا أنني أقلّ ضرراً ممن تعرض للقتل والإصابات الخطيرة فليس هناك أسرة إلا وفيها شهيدين أو ثلاثة وعددها الباقي مصابين.
إجازة العيد المأساوية
لاعب المنتخب الوطني/تامر حنش قدم إلى المخا ومعه زوجته وأطفاله قبيل أيام عيد الفطر المبارك من أجل أن يقضي إجازته العيدية بعد أن ألحت عليه زوجته بأن تكون لحظات العيد الجميلة التي سيعيشونها بالقرب من البحر والشاطئ ويروي لحظة استهداف المدينة قائلا: بعد أن تم سقوط الصاروخ الأول تكسرت الشبابيك والأبواب وتطاير الزجاج في كل مكان فأخذت أولادي وزوجتي ووالدتي وذهبت بهم مسرعا باتجاه ساحل البحر وربما أن بعضنا قد أصيب بالشظايا إلا أننا تحملنا مشقة الخروج فوصلنا شاطئ البحر لنشاهد سقوط الصواريخ على المدينة ونجونا بأعجوبة.
وأضاف تامر : الفرق الزمني بين كل صاروخ دقيقة ونصف وهي مدة تدل على أن العدو السعودي كان مبيتا النية من قبل لعمل جريمة إبادة بالسكان وكوني قادما من صنعاء فإنني أعرف بأن الطيران يستهدف الموقع الواحد بعدد من الصواريخ وهذا كان سبب خروجي أنا وأسرتي إلى شاطئ البحر فيما السكان الآخرون بقوا داخل شققهم ليواجهوا المصير المحتوم والكل هنا في مدينة المخا لم يشاهد أي مظاهر مسلحة أو حتى دبابة أو مدرعة والسكن معروف أنه لموظفي المحطة.
النكبة
المهندس علي أحمد الرعيني، مدير عام محطة كهرباء المخا، التقيناه في مستشفى الأمل العربي بمدينة الحديدة ونحن نزور الجرحى وهو يتلقى العلاج جراء إصابته خلال العدوان السعودي على المحطة وطرحنا عليه اسئلتنا فأجاب قائلا:” كنا متواجدين في المنزل ما بين الساعة التاسعة والنصف والعاشرة مساءً وسمعنا صوت الصاروخ الأول فخرجت من المنزل للاطلاع على الأضرار والاطمئنان على ولدي الذي كان متواجداً مع عدد من الشباب في الاستراحة حيث يتجمع الشباب عادة وهو المكان الذي تم ضربه بأول صاروخ”.
ويضيف مدير محطة الكهرباء:” أثناء خروجي من المنزل فؤجئنا بالصاروخ الثاني فانبطحنا على الأرض لتفادي الشظايا ثم انطلقنا إلى مكان الاستراحة ووجدنا الجثث متناثرة ومترامية على بوابة الاستراحة والناس في حالة هلع كل يبحث عن قريبه او صديقه والبعض حاول يخرج من بيته ويفر باتجاه الساحل خوفا من القصف خصوصا وأن الطائرة كانت لازالت تحلق فوق المكان وصوتها نسمعه بكل وضوح”.
وتابع الرعيني حكايته مع المأساة :خلال القصف على استراحة المجمع أصيب نجلي وهو مهندس بشظايا وجروح بليغة تم على إثرها إسعافه إلى مستشفى الأمل التخصصي بالحديدة وإدخاله العناية المركزة..وعند دخولنا لزيارته كان في غيبوبة شديدة وبحسب الأطباء فإن أغلب الإصابات خطيرة جداً وتتركز في الرأس.
ويواصل الرعيني :” للأسف الشديد النكبة كانت كبيرة، المنازل دمرت بشكل رهيب فرغم أن البناء من حيث التماسك والجودة أفضل بكثير من أية بنايات حديثة أخرى لكنه بفعل الضربة تعرض للتهشم والأسطح سقطت والواجهات تبعثرت وهذا يدل على فضاعت القصف.
مشيراً إلى أن السكن الداخلي للموظفين تعرض للقصف بنحو 7 غارات، وغارتين على الكمب التابع للمحطة الكهربائية خارج السكن.
وأوضح مدير محطة كهرباء المخا أن المجمع السكني الذي يتكون من 270 وحدة سكنية كان يتواجد فيه عدد من الأسر التي نزحت إلى أقرباء لها داخل السكن بالإضافة إلى أسر أخرى نزلت إلى السكن لزيارة أقاربها وقضاء إجازة العيد كون المكان منشأة مدنية لا أحد يتوقع أن يتم قصفها أو استهدافها.
وأكد المهندس الرعيني خلو المجمع السكني من أية أسلحة أو مسلحين كما زعم البعض لتبرير عملية القصف ، منوهاً إلى أن المحطة الكهربائية خسرت كادرا فنيا مؤهلاً جراء القصف، فيما نزح من نجا من الغارات الجوية وتحولت المدينة إلى مدينة أشباح لا يسكنها احد.
سبب تزايد الضحايا
عند قصف طيران العدوان الخليجي للمجمع السكني..
كيف تعامل السكان مع الجرحى.. وسؤالنا لماذا هذا العدد الكبير من الضحايا ؟! إجابة هذا السؤال كانت على لسان الإعلامي نيزان توفيق شاهد عيان واحد الناجين حيث قال: سقط الصاروخ الأول وسط المجمع السكني مسبباً لهباً رهيباً على إثره سقط عشرات القتلى والجرحى من الشباب والنساء والأطفال، فيما سارع آخرون للإسعاف.. لم يهرب ولم يخف احد ليس لأنهم لا يخافون بل لأنهم لم يستوعبوا بعد ما الذي يحدث وما سبب ما حدث ؟
ويكمل توفيق : ثلاث دقائق فقط ليدوي صوت طائرة على علو منخفض ولم يهرب أحد ،كان الجميع يعرف أنها طائرة التحالف تحوم كعادتها لكن المختلف هذه المرة أنها تحلق بعلو منخفض جداً.. ثم رمت بصاروخها الثاني كان صوته واضحا وكان الانفجار رهيباً وفي نفس مكان سقوط الصاروخ الأول ـ وسط المجمع السكني.. فسقط المسعفون من شباب السكن بين جريح وقتيل واختلطت دماؤهم وأشلاؤهم بين قتلى وجرحى الصاروخ الأول ..حاول من بقي حياً الهروب باتجاه البحر ،للأسف معظمهم لم يستطع النجاة ،فبعد أقل من دقيقتين عادت الطائرة وأسقطت صاروخها الثالث وفي نفس المكان ـ وسط المجمع السكني ـ ما أدى إلى تهدم أكثر من 50 منزلاً تهدمت معظمها فوق ساكنيها..
وتابع نيزان توفيق :مرة أخرى وبعد أقل من دقيقتين حلقت الطائرة وبعلو منخفض أيضاً وأسقطت صاروخها الرابع وسط المجمع السكني أيضاً لكن هذا المرة استهدفت بصورة مباشرة “بوفية” لبيع البسكويت والعصائر والشبس ودمرتها تماما وقتلت صاحبها وعشرات ممن كانوا داخلها أو بجانبها، الكارثة أن خلف البوفية حديقة كانت مليئة بالنساء والأطفال متنفسهم الوحيد سقط كل من كان فيها شهيداً.. بعض النساء والأطفال ضاعت جثثهم وبعضهم تم تجميع ما تبقى منهم ودفنهم جماعياً..
بعد أقل من دقيقتين عاد صوت الطائرة وأسقطت صاروخها الخامس فوق منزل في طرف المجمع السكني ما أدى إلى تحطم وتهشيم خمسين منزلا ـوقتل وجرح كل من كان في الشارع أو في تلك المنازل..والبقية سارعوا للمغادرة باتجاه البحر .. ليأتي الصاروخ السادس مستهدفاً طرف آخر من المجمع السكني أدى إلى تهشيم 50 منزلاً آخر.
وواصل الإعلامي نيزان توفيق رواية المأساة : بعدها سقط الصاروخ السابع واستهدف الربع الأخير من المجمع السكني ـ مما أدى إلى تحطيم أكثر من 50 منزلاً، وسقط إثر ذلك العشرات بين قتيل وجريح ..
لم يصمت صوت الطائرات بل عادت وأطلقت صاروخها الثامن على برج اتصالات يبعد عن المجمع السكني 400 متر كان بجانب البرج كمب سكني يتبع محطة الكهرباء ، تحطم معظمه وسقط فيه أكثر من 3 شهداء .
وأردف :دقائق وأسقطت الطائرات صاروخها التاسع ـ الأخير داخل كمب آخر يبعد عن السكن 900 متر ـ وهو سكن لمعلمين يعملون في مدرسة المجمع السكني وغادرت طائرات التحالف سماء المخا مخلفة أكثر من 90 شهيداً وأكثر من 300 جريح وتدمير كلي للمجمع السكني..
وبحسب مشاهدة نيزان استمر القصف 18دقيقة ، أقل من دقيقتين كانت الفترة الزمنية الفاصلة بين إطلاق الصواريخ التسعة ..لم يكن القصف عشوائياً أو أنها كانت مجرد صواريخ أرض أرض أو كاتيوشا أطلقت بعشوائية كما يزعم العملاء بل كان القصف على درجة عالية من الدقة والاحترافية والخبث أيضا..
أخيرا
من خلال حديثنا مع الجرحى فإنه تم ضرب وسط السكن بأربعة صواريخ لتدمير اكبر عدد ممكن من المنازل البالغة 200 منزل وقتل اكبر عدد من السكان ثم تم تقسيم المجمع السكني إلى أربعة أقسام ،50 منزلاً في كل مربع تم استهدافها بصاروخ بصورة دقيقة وسريعة وخبيثة جداً جداً وبعملية ممنهجة.
نقلا عن “صحيفة الثورة”