هل انتهى شهر العسل لحلف الناتو العربي في اليمن؟
بقلم / الدكتور/ بهيج سكاكيني
هلل البعض لعملية “تحرير” محافظة عدن من قبل قوات حلف الناتو العربي التي كان قد تم أنزالها بحرا وجوا في الجنوب اليمني، والذي اتضح بعدها أن قوام هذه القوات ما يقرب من 5000 جندي إماراتي وسعودي ومصري بعتادهم العسكري الكامل والمدرعات والدبابات ..إلخ، وذلك على الرغم من نفي ذلك في البداية من قبل “شوارزكوف” العرب العسيري المتحدث الرسمي باسم “التحالف” العربي غير المقدس بقيادة السعودية. واعتبر هذا بمثابة إنجاز “للشرعية” وانه مهد الطريق لعودة الرئيس الفار هادي إلى البلاد، الذي طار إلى الإمارات ليقدم “أوسمة الشجاعة اعتزازا وافتخارا بالدور الريادي والبطولي” لوحدات الجيش الإماراتي الذين يقاتلون في اليمن بالوكالة.
ولقد جاء فيما قاله بهذه المناسبة ” “إننا اليوم إذ نكرم مجموعة من منتسبي القوات المسلحة الإماراتية والتي كان لها دور مشهود وكبير في تمهيد الطريق نحو دعم الشرعية وتحقيق الانتصارات المشرفة فإننا لا نستطيع أن نفي أبناء الإمارات حقهم بما لعبوه من دور محوري وبطولي في دعم الشرعية اليمنية وحماية الشعب اليمني وتقديم العون له في سبيل نيل حقوقه وسيادته وحفظ أمنه واستقراره والذي سيظل في ذاكرة وقلوب أبناء الشعب اليمني” (http://gulf-yemen.net/news-1045.html). ولم ينس الرئيس الفار تسليم تأمين مطار عدن لكتيبة إماراتية لتدير الشؤون الأمنية للمطار لكي يدلل ربما على مدى التآخي مع دولة الإمارات.
القليلون ربما انتبهوا إلى التشكيلة للمجموعات المتضاربة المصالح في عدن من جماعة أنصار الرئيس هادي والقاعدة وعناصر من داعش وحزب الإصلاح اليمني وهو الحزب المنتمي إلى تنظيم الإخوان المسلمين، إلى جانب تواجد قوات من الحراك الجنوبي. ولقد كنا قد أشرنا في مقال سابق(http://pelest.com/article/view/id/8022) إلى هذا الكوكتيل من القوى السياسية المتضاربة في المصالح والأهداف والرؤى السياسية والتحالفات، وذكرنا “إن اجتمع الآن لقتال الجيش اليمني وأنصار الله فانه لن يجتمع غدا فيما اذا ما تم الاستيلاء على الجنوب” من القوات الغازية. قوات الحراك الجنوبي وهي متعددة لم تحمل السلاح وتحارب لعودة هادي ليحكم الجنوب ولم تقاتل دعما “لشرعيته” المزعومة التي ترددها أبواق الإعلام الخليجية وخاصة السعودية والإماراتية، ولكنها حاربت الجيش اليمني وأنصار الله من أجل الانفصال وإعلان دولة الجنوب لأسباب عديدة بعضها محق وخاصة في الأسلوب والطريقة التي تعامل بها نظام علي عبدالله صالح مع الجنوب اليمني وهي في رأينا مدانة. ولكننا مع هذا لا نحبذ العمليات الانفصالية ولكن هذا شأن يمني بالدرجة الأولى وللشعب اليمني ان يقرر مصيره بيده وأن يختار النظام السياسي الذي يريده دون تدخل من أي طرف خارجي مهما كان هذا الطرف. والذي يبدو أن الخلافات ضمن هذه المجموعات بدأت تأخذ مجراها على الأرض في عدن، حيث تحركت وحدات من قوات الحراك الجنوبي وقامت بالسيطرة على مداخل عدن ومخارجها بالإضافة الى السيطرة على ميناء عدن وبعض المواقع الحيوية الأخرى في مدينة عدن بحسب ما ورد في جريدة الاخبار اللبنانية ( 14 اغسطس 2015 ) وصحيفة حصاد اليوم اليمنية ( 16 أغسطس 2015) . كما قامت هذه القوات بطرد أنصار هادي وحزب الإصلاح اليمني من المدينة وهناك معلومات سابقة عن وقوع اشتباكات ببن قوات الحراك الجنوبي وتنظيم القاعدة وداعش المتواجدة في عدن كما أشارت الإعلام التي رفعت. وقد أشارت مصادر يمنية إلى أن الحراك الجنوبي قد اعترض سابقا على التحالف بين أنصار هادي وتنظيم القاعدة الذين كانوا يقاتلون جنبا إلى جنب ضد الجيش اليمني ومقاتلي أنصار الله. ولا شك أن التحالف الميداني بين هذه القوى الذي تواجد في الفترة السابقة سرعان ما سيزول وذلك لتضارب الأهداف كما ذكرنا سابقا. وهذه الخلافات ليست الوحيدة على ما يبدو فهنالك خلافات في الرؤى الإماراتية والسعودية فيما يخص الهيمنة على اليمن واستلاب قراره السياسي والتحكم به.
ومن الواضح أن الإمارات وجيشها الذي تم إنزاله في الجنوب قد لعب الدور الرئيسي في إجبار الجيش اليمني وانصار الله من الحوثيين للتراجع وإخلاء بعض المناطق والمدن الجنوبية حيث كانت للقوات البرية تعمل وما تزال تحت القيادة الإماراتية. السعودية لم تشترك بشكل فعال على الأرض ربما لثلاثة أسباب رئيسية. أولهما يعود لانشغال جزء من القوات السعودية للحفاظ على الوضع الأمني المتدهور في البحرين هذه القوات التي تعمل ضمن “درع الجزيرة” والتي ما هي إلا قوات سعودية للتدخل السريع. وثانيهما وهو الأهم هو ان السعودية بحاجة الى قطاعات كبيرة من جيشها للحفاظ على حدودها مع اليمن للتصدي للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش اليمني وأنصار الله ردا على العدوان الإجرامي السعودي-الأمريكي على اليمن. فمنطقة الحدود السعودية-اليمنية تشهد سخونة عسكرية عالية من الاشتباكات اليومية بين وحدات الجيش السعودي في تلك المناطق من جهة والجيش اليمني ومقاتلي أنصار الله والقبائل اليمنية من الجهة الأخرى.
وقد استطاعت القوات اليمنية من عبور الحدود والسيطرة الكاملة على بعض المرافق والمناطق داخل السعودية بعد فرار القوات السعودية مخلفة وراءها أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية. ولا شك ان هنالك مخاوف جدية سعودية بظهور إمكانية لاستعادة مناطق عسير وجيزان ونجران اليمنية أصلا والتي ضمتها السعودية اليها بشكل رسمي في12 يونيو عام 2000 مقابل 18 مليار دولار ذهبت لجيوب المتنفذين بالسلطة السياسية في البلاد (14 فبراير شبكة نهرين نت الإخبارية ). أما ثالث هذه الأسباب يعود الى تواجد ما يقارب من 30000-40000 جندي من قوات الحرس الوطني السعودي على الحدود مع العراق وذلك للمخاوف السعودية من هجوم لمقاتلي داعش على السعودية وخاصة مع الضربات التي تتلقاها داعش في العراق على ايدي الجيش العراقي وقوات الحشد الشعبي هناك، وتواجد البيئة الحاضنة لها في المجتمع السعودي حيث يسود الفكر التكفيري الوهابي.
السعودية تدعم حزب الإصلاح اليمني وهو حزب تنظيم الإخوان المسلمين وهنالك معلومات تناقلتها بعض وسائل الإعلام ( المنار المقدسية 23 07 2015) التي تؤكد من أن القيادة السعودية قد وعدت قيادة تنظيم الإخوان المسلمين “بمنحهم كرسي الحكم في اليمن، ثمنا لمشاركتهم في الثورة في اليمن”. وربما كان هذا أحد الأسباب من تواجد عبد المجيد الزنداني مرشد الإخوان المسلمين في اليمن بزيارة الى الرياض مؤخرا واجتماعه مع ملك آل سعود سلمان بن عبد العزيز في الوقت الذي تواجد فيه السيد خالد مشعل المرشح على ما يبدو لمنصب المرشد العام للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين. ولقد قامت السعودية بتسليم معظم المساعدات التي أوصلتها إلى ميناء عدن مؤخرا إلى عناصر هذا التنظيم ليقوم حزب الإصلاح بتوزيعها كما يراه مناسبا. أما الإمارات فهي لا تخفي عداءها لتنظيم الإخوان المسلمين سواء داخل الإمارات أو خارجها فكيف بالحري داخل الساحة اليمنية وخاصة أنها قد دخلت في تنافس مع السعودية على هذه الساحة. ولقد أشارت بعض وسائل الإعلام (http://yemennow.net/news630689.htm) عن خلافات ومنافسة بين السعودية والإمارات بالنسبة للتطورات الميدانية وعلى أن الإمارات تدعم “رئيس الوزراء” اليمني بحاح بينما تدعم السعودية “الرئيس” هادي. هذا بالإضافة إلى أن الإمارات لا تريد أن تتقدم القوات الغازية التي تديرها أن تتجه إلى المناطق الشمالية “لتحريرها” وعلى أنها لن تذهب لاستكمال “تحرير” تعز وأنها ستكتفي الآن على الأقل بما حققته في المناطق الجنوبية بينما السعودية تخالفها في الرأي وتريد للقوات التي أرسلتها من المرتزقة لاستكمال المسيرة والهجوم على تعز ومن ثم إلى استكمال المسيرة لشمال اليمن “لتحرير” صنعاء كما أوردت الصحيفة عن المصادر السعودية. والذي يبدو أن الولايات المتحدة وبريطانيا تؤيد الإمارات بهذا الشأن. ومن الواضح أن هذه الدول ترى في عدم إمكانية عودة هادي إلى البلاد واستحالة أن ترضى العديد من الأطراف اليمنية بهذا، وبالتالي فهي تريد أن تحضر الى بديل قد يكون مقبولا كطرف للدخول في المفاوضات المرتقبة والبحاح سيكون مرشحها ضمن هذا الإطار. ولكن كل هذا يبقى ضمن التخمينات والأمنيات ربما لأن ما يجري على الأرض هو الذي سيحدد المسار النهائي وخواتم الأمور.
لا شك أن الأحداث على الساحة اليمنية آخذة بالتسارع وقد تظهر عناوين جديدة ربما تقلب موازين القوى على الأرض بعدما اطمئن البعض على أن الأمور بدأت تجري لصالحه ويتحدث بشكل صبياني في الإعلام الإماراتي أو غيره على أن صنعاء باتت على قاب قوسين من السقوط.
من يقرأ الوقائع على الأرض ويدقق بها يرى أن الرياح تجري بما لا تشتهي أحلام وتمنيات “التحالف العربي” غير المقدس، وان ما بدا وكأنه شهر العسل لحلف الناتو العربي في اليمن انتهى وان المستنقع اليمني بدأ بابتلاع أقدام من تجرأ على الاقتراب منه من الغزاة.
* نقلاً عن موقع المنار