هل هنالك فجور سياسي أكثر من هذا؟
بقلم / د. بهيج سكاكيني
وصل العاهل السعودي “خادم الحرمين الشريفين” الملك سلمان بن عبد العزيز الزهايمري الى الريفييرا في جنوب فرنسا لقضاء عطلة للراحة والاستجمام مدتها ثلاثة أسابيع مصطحبا حاشية من الخدم والحشم عددها 1000 شخص بحسب ما تناقلته وكالة الأنباء الاسوشيتد برس. الى هنا قد يكون الخبر ربما عاديا. ولا يسع المرء الا أن يستدعي في هذه المناسبة المجزرة التي ارتكبتها طائرات “التحالف” السعودي-الأمريكي على اليمن والتي ذهب ضحيتها ما يقرب من 103 شهداء من أطفال ونساء بقصف متعمد لأحياء سكنية في تعز في نفس اليوم الذي وصل اليه الملك وحاشيته الى الريفييرا الفرنسية. ذنبهم الوحيد انهم يمنيون يرفضون الركوع والعبودية لآل سعود السفاحين مصاصي دماء الشعب اليمني على مدى عقود من الزمن. وهؤلاء الشهداء يضافون الى حصيلة الشهداء التي وصلت الى أكثر من 3000 شهيد منذ بدء العدوان على اليمن في 26 مارس الماضي.
هناك تتطاير جثث الأطفال والنساء وعامة الناس وتتفحم جثث الشهداء من القنابل الحارقة والنابالم المحرمة دوليا. وهنا على سواحل الريفييرا الفرنسية يقضي الجزار ومصاص الدماء وقاتل الأطفال اجازته وكأن شيئا لم يكن. الراحة والاستجمام هنا والدمار للبشر والحجر هناك حيث تفوح رائحة الموت لتزكم الانوف. البحر والشاطئ هنا مرتع “لخادم الحرمين الشريفين” وحاشيته من الخدم والحشم وجوقة المطبلين والمزمرين والشواطئ والبحر هنالك محرم على الشعب اليمني أن يستخدمه حتى لمرور المساعدات الإنسانية من الغذاء والمواد الطبية والطاقة لكي تطعم أكثر من 15 مليون يمني باتوا على حافة هاوية الموت لانعدام الغذاء والماء ومصادر الطاقة والدواء والطبابة بعد أن دمرت كل البنى التحتية للبلد.
وهنا يسكن الملك وحاشيته في أرقى القصور والفيلات والفنادق العالمية وتقدم لهم الوجبات الشهية الطازجة التي يذهب أغلبها لكثرتها الى الزبالة، وهنالك لا يجد اليمني ما يسد رمقه حتى من خبز وماء فقط فصوامع الحبوب قد قصفت ودمر مخزون البلد من الحبوب والدقيق، كما دمرت محطات وشبكات توزيع المياه ودمرت شبكات الطرق والجسور بحيث لم يعد ممكنا توزيع الشيء اليسير حتى إذا ما تواجد.
وهنالك أصبح الملايين لا يجدون سقفا يأويهم لأن بيوتهم البسيطة تهدمت فوق رؤوس ساكنيها في أغلب الأحيان. وكله بفعل جرائم “خادم الحرمين الشريفين” الذي لم يحترم حتى حرمة شهر رمضان المبارك فشهيته للقتل والتدمير فاقت كل تصور وتخطى بكثير توحش الدواعش والصهاينة بكل المقاييس.
لا يسع للمرء الا أن يقارن ويستحضر نماذج من التاريخ ليرى الفجور السياسي الذي نراه اليوم. كيف لهذه الأمة أن تنهض وتتقدم وتتطور وتنتج وتساهم في التراث الإنساني والحضارة الإنسانية ونحن نرى مثل هذه الآفات تتحكم بالرقاب والأموال والخيرات وتتنعم بها وكأنها ملكها الخاص الذي لا يشاركها بها أي إنسان ومواطن؟ هذه الشريحة النتنة والفاسدة التي تتلحف برداء الدين زورا للتحكم برقاب العباد فتكفر من تريد وتقطع رأس من تريد وخاصة تلك التي تتجرأ على أن ترفع صوتها على ولي الأمر والذات الملكية!! فنحن ما زلنا نعيش في العصور الوسطى حيث كان الفكر السائد أو بالأحرى المفروض على العامة من الناس بأن الملك يحكم بتفويض إلهي وكل من يتجرأ على تحدي سلطته إنما يتحدى الإرادة الإلهية وبالتالي يحلل قتله شنقاً أو حرقاً لكي يكون عبرة لمن لا يعتبر. هذه الشريحة أساسا لا تؤمن بشيء اسمه المواطنة أو الدولة الوطنية فهذه الكلمات والمفاهيم لا تتواجد في قواميس القمع والتسلط والاستئثار بالسلطة ومقدرات وثروات البلاد التي تحكم من شيخ القبيلة والعشيرة الذي يوزع المكارم الملكية والأميرية على كل من يركع للسلطان ويساعد في قمع العباد وعامة الناس.
“ولكل ثمنه” هذه هي الفلسفة القائمة للحكم بجانب الإبقاء على حالة من التخلف الحضاري الفكري والعلمي والاجتماعي وجميع مناحي الحياة وهلم جرا، ويصبح هذا هو الحال والثقافة العامة السائدة في وجدان الأغلبية من عامة الناس الذين عن وعي أو دون وعي يصبحون جزءاً من هذه المنظومة القمعية المتخلفة والمفروضة بشكل ممنهج من رأس السلطة. 100000 من سكان المنطقة وقّعوا على عريضة احتجاج رفعت الى السلطات الفرنسية المختصة لأنها قامت بإقفال جزء كبير من الشاطئ ومنع استخدامه من عامة الناس ليتسنى للملك وحاشيته فقط باستخدامه. ومن المتعارف عليه في فرنسا ان الشواطئ هي ملك للدولة ويحق لكافة الناس استخدامها دون مقابل. ولكن للأسف الشديد فإن فرنسا الرسمية ممثلة برئيسها ووزير خارجيتها وطبقتها السياسية الحاكمة يريدون أموال البترودولار فخزينة آل سعود لم تنضب بعد بالرغم من عشرات المليارات التي دفعت في المحاولات اليائسة والبائسة لإسقاط الدولة السورية وتجنيد الإرهابيين في سوريا والعراق والعدوان البربري على اليمن الذي دخل شهره الرابع دون توقف، فالبقرة ما زالت حلوباً لشركات الأسلحة الفرنسية والأمريكية. الم نرى الصفقات التجارية والأسلحة توقع من قبل هولاند كثمن لدفع فرنسا وتشغيلها كأداة في محاولة تعطيل الوصول الى اتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.
? نقلاً عن المنار