ما وراء قبعة الحاوي الأمريكي
صلاح الدكاك
(الكوفية الخضراء ما فيها.. فيها زبيب أخضر).. لعبة شعبية يمنية.
اعتراف البنتاغون بدور عسكري مباشر في العدوان على اليمن، لا جديد فيه سوى تسمية القوة العسكرية المشاركة، وهي [القبعات الخضراء] المتخصصة برسم النشأة في تصفية رموز وقادة الحركات الثورية المناوئة لسياسات الهيمنة الأمريكية. وقد نشطت هذه الفرقة في فيتنام وفي أمريكا اللاتينية، كأهم مسرحين ضمن مسارح نشاط أخرى تمظهرت من خلالها وبرزت ولعبت دوراً رئيساً في اقتفاء وتتبع النشاط الثوري للحركات اليسارية التي تنتهج حرب الأنصار والعصابات كسبيل للإطاحة بالديكتاتوريات اللاتينية الموالية للولايات المتحدة… اعتراف البنتاغون له دلالاته انسحاباً على عملية اغتيال الشهيد الرئيس صالح الصماد، لاسيما وأنه جاء عقب أسبوع من العملية التي أكدت حركة أنصار الله وبيانات الجوية والصاروخية والدفاع اليمنية، ضلوع أمريكا فيها…
الاعتراف صيغ بحذق يتجلى من توصيفه لدور (القبعات الخضراء) المشاركة في عمليات التحالف.. إنه – بحسب نص البنتاغون- دور حمائي لحليف هو المملكة السعودية تتعرض بلاده وحدوده لعدوان خارجي، لذا فهو دور بالإنابة عن مخاوف الحليف (الرياض)
لا بالأصالة عن مصالح أمريكية تخوض المملكة حرباً بالإنابة عنها كلافتة عربية وخزانة مالية لا يملك ملاكها من أمرهم شيئاً خارج إرادة (واشنطن)…
عسكرياً واستخبارياً لم تفلح سنوات العدوان الكوني التي انتصفت رابعتها، في تقويض البناء الحركي والعملياتي الثوري لأنصار الله كطليعة تقود زمام المواجهة العسكرية اليمنية ضد التحالف بعقلية حربية مغايرة لم تألفها دوائر الاستخبارات الأمريكية، وفشلت وتفشل في محاكاتها بما يتيح لها تحقيق خرق نوعي في بناء الحركة يفضي لتفكيكه وتلاشيه بأقل كلفة ممكنة… على هذا المستوى تتضح الحاجة لـ(القبعات الخضراء) كفرقة معدة حصراً لخوض حروب غير تقليدية، ويتوخى الأمريكان من خلالها تفكيك العقل الحربي الأنصاري.. كيف يعمل؟ كيف يفكر؟ كيف ينتج خياراته؟ كيف يتواصل مركزه مع أطرافه وقيادته مع مجمل التكوينات الميدانية المقاتلة؟ كما وما العوامل التي تجعل أداءه العسكري مغايراً وباغتاً ومتوافراً على زخم المبادرة ونجاعة التوقيت؟.. نجاح الفرقة الخاصة الأمريكية في الإمساك بشيفرة العقلية الأنصارية وتفكيكها ذهنياً، بحسب تقديرات واشنطن، سيتيح لها تفكيك بنية الحركة عسكرياً وأمنياً، وضرب بيئات فاعليتها الاجتماعية، واصطياد رموزها وقياداتها الوسطية والعليا بيسر خارج مسرح الاشتباك المباشر، وعبر عمليات استخبارية انغماسية خلف تماسات المواجهة مسنودة بطائرات (الدرونز).
إن تحويل وجهة شائعات وأراجيف مطابخ العدوان الدعائية والنفسية صوب (صعدة) بالتزامن مع تصعيد عسكري حدودي جوي وبري يستهدف المحافظة التي يعتقد العدو بأنها رحم ومركز حركة أنصار الله الرئيس، هو استدارة غير جديدة لهذه المطابخ، لكنها اليوم مشفوعة بخيلاء القدرة على الإنجاز وتحقيق اختراق ثمين على مستوى البناء الفوقي القيادي الأنصاري… خيلاء يغذيها نجاح العدو في اغتيال الرئيس الصماد، ورغم أن استهداف رأس الدولة تم في فضاء مفتوح وغير حصين، وفشلت استخبارات العدو في الإمساك بمعطياته اللاحقة على الأرض، إلا أن هذا النجاح المحدود قد فتح شهية (واشنطن) وأدواتها في التحالف على إمكان استهداف رأس حركة أنصار الله ومعقل قيادتها، فحاجز الشعور بالعجز المطلق إزاء أمنيات كهذه انكسر باستشهاد أول قيادي سياسي عسكري للحركة بحجم الصماد منذ بدء العدوان، طبقاً لتقديرات التحالف.
وثمة أمر آخر يهدف اعتراف البنتاغون إلى التمويه عليه، يتعلق بانفضاح الأصابع الأمريكية في مسرح (اغتيال سياسي محض) لا تقره قواعد وأخلاق وقوانين وأعراف الحروب…
يحاول العدو الأمريكي التلطي خلف (المكاشفة بدور عسكري حمائي بالمعية) لحليف تربطه معه اتفاقيات تعاون ودفاع أمنية وعسكرية لا غير.
تمهيداً لاعتراف البنتاغون سارعت قيادة التحالف لإعلان مسؤوليتها عن واقعة اغتيال سياسي قذرة لم تسفر عن انقلاب في موازين القوى ميدانياً لصالحها، وكان الهدف من تبنيها دفع التبعات القانونية والأخلاقية المترتبة على العملية الخائبة بعيداً عن (واشنطن) بطبيعة الحال، لاسيما مع وقوع معطيات وأسانيد في يد صنعاء لجهة إدانة أمريكا بالتورط المباشر فيها..
هكذا يتسنى للأصيل تغييب بصماته بإبهام الوكيل والكمون في الظل بعد سفوره غير الموفق للعيان… إنه – ليس إلا – شركة للاستشارات الأمنية تبيع خدماتها لزبون سعودي أثير، ودورها دفاعي صرف، وحجم قوتها المنخرطة – فقط- 12 جندياً من (القبعات الخضراء، آكلي الثعابين، والأنذال الملتحين).
كل هذا التبسيط والتمويه الأمريكي اللئيم ليس بوسعه في الحقيقة أن يزعزع يقين شعب الأنصار بأن العدوان أمريكي منذ انطلاق صرخة البراء وحتى آخر مجزرة ترتكبها طائرات التحالف بحق نسائنا وأطفالنا قبيل مثول هذه السطور بين يدي القارئ…
يدرك شعبنا الثائر الصامد المجاهد الصابر أن أمريكا هي الطاعون وأن الطاعون هو أمريكا، وأن (الموت لأمريكا…) لم يكن هتافاً من قبيل التجني والتهويل والوهم المخاتل، وإنما عن بصيرة نافذة قبل وبعد ظهور أصابع المسخ الأمريكي على مسرح الاشتباك والعدوان اللابس مسوحاً عربية على مهد العرب ومطلع شمس الرسالة المحمدية وحملة لوائها من (حراء) إلى (ليون وتولوز) وشواطئ الأطلنطي البعيدة.
إن لون القبعات الأمريكية لن يغير في واقع الرؤية البصيرة المدركة لطبيعة العدو شيئاً… وما تحت الشماغات البيضاء وعقالات العربان هو ذاته ما تحت (الكابات والبريهات الخضراء)، ولدى شعبنا ما يرد به على واجهات العدوان وكواليسه من موت مختلف ألوانه يحصد شجرة عائلة ملعونة تتسربل إسلاماً أمريكياً وطلعها كأنه رؤوس الشياطين.