اليمن الجريح والصمت الدولي المخزي
بقلم / د.محمد علي بركات
تعرضت أرض الحضارات وأصل العروبة ومنبعها اليمن شعباً وأرضاً لعبث بعض السياسيين من أبنائها غير البررة ، الذين فرطوا بمبدأ الولاء والانتماء الصادق للوطن ، وتمسكوا بالمصالح الذاتية الضيقة باسم الوطن ولهذا أخفقوا في التوصل إلى حلول توافقية .. وعند ذلك أودوا باليمن إلى التهلكة وإلى شق صف القوى السياسية والحزبية .. وكان يفترض أن الخلافات في الرؤى السياسية أيا كانت حول أية قضية بين اليمنيين لا تؤثر على المبدأ السامي الذي يؤمن به الجميع ويتفقوا عليه وهو الوطن وحريته وسلامة أبنائه وأراضيه ، ولا شك أن كل وطني مخلص يعلم بأن الوطن فوق كل الاعتبارات ، وأنه لامساومة على حرية الوطن وسيادته واستقلاله نظير المصالح الذاتية أو الحزبية الضيقة .
الكارثة أن هناك من اتخذ من الخلافات السياسية ذريعة لإثارة الفتن بين أوساط الشعب سواء المذهبية أو الطائفية أو المناطقية .. وهناك من جعل تلك الخلافات ذريعة للعمالة والتآمر على الوطن وتلك خيانة عظمى ، والفرق واضح كوضوح الشمس بين مبدأ الولاء والانتماء الوطني وبين العمالة والتآمر على الوطن .. كل ذلك خلق صراعاً داخلياً بين أبناء الوطن الواحد ، ويسر المهمة للتدخل العسكري الخارجي وتسبب في نشوب هذا العدوان والحرب المدمرة على شعب اليمن .. وتعطلت الحركة الحياتية باليمن جراء الغارات الجوية والقصف الصاروخي المستمر لطيران تحالف العدوان الذي أخاف المدنيين وبث الرعب بين الأطفال والنساء ، ونتيجة لذلك تصاعدت الخسائر في صفوف المدنيين إضافة إلى الخسائر الفادحة على المستوى العسكري والمادي والأمني والاجتماعي ، وأصبحت دماء اليمنيين الغالية تراق في كل محافظة من محافظات الجمهورية ..
وأثبتت الشواهد والإحصائيات بأن هذه الحرب المدمرة تستهدف الشعب اليمني بكل فئاته وشرائحه ، وتستهدف التدمير الشامل لمقدرات وممتلكات 25 مليون يمني من بنية أساسية ومنشآت حيوية : المطارات ، الموانئ ، المعسكرات والقدرات الدفاعية للمؤسسة العسكرية والأمنية، المستشفيات ، المؤسسات الاقتصادية ، مخيمات النازحين، المدارس والجامعات ، المساجد ، صوامع الغلال، محطات الكهرباء والوقود ، مصانع الألبان والأسمنت ، المواقع الأثرية ، الطرق والجسور ، الأسواق الشعبية ، المنشآت الرياضية ، وكافة منجزات الشعب التنموية .. وللإمعان في الظلم فرض على اليمن حصار جوي وبحري منع استيراد الغذاء والدواء والمشتقات النفطية في ظل الأحداث الدامية وتساقط الضحايا في جميع المحافظات اليمنية ، وفي ظل الأزمة الخانقة بالمواد الغذائية الضرورية مما ينذر بكارثة إنسانية .. يضاف إلى ذلك منع وصول المساعدات الإنسانية والأدوية والمستلزمات الطبية ، وحرمان المرضى والجرحى من السفر إلى خارج الوطن لتلقي العلاج وذلك يعد انتهاكا للقانون الدولي الإنساني ولمبادئ حقوق الإنسان التي أكدت على حقه في الحياة والعلاج وحرية التنقل ، كما يعد خرقا للمبادئ والمواثيق الدولية .. ليس ذلك فحسب فقد كان هناك حصار للآلاف من اليمنيين العالقين في بلدان ومطارات العالم جراء عرقلة عودتهم إلى وطنهم اليمن .
وللأسف أن يستمر هذا العدوان الذي يتسبب في إزهاق الأرواح ونزيف الدم اليمني والتدمير الشامل لليمن في ظل صمت المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية الإقليمية والدولية عما تتعرض له اليمن شعبا وأرضا من مجازر وحشية للبشر ، وتدمير شامل للمنشآت الحيوية .. فهناك آلاف القتلى وآلاف الجرحى سقطوا ضحايا لهذا العدوان الغاشم ، فلماذا لم يبادر العرب والمسلمون حتى الآن أو منظمة الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي بالتدخل لإيقاف هذه الحرب الغاشمة ضد شعب لم يعتد على أحد ، ومساعدة اليمنيين لاستكمال حوارهم لإنقاذ اليمن من هذه المحرقة، أين المجتمع الدولي ، أين القانون الإنساني الدولي مما يجري من دمار لليمن بعد أن تحولت إلى ميدان للصراع وتصفيات للمواقف الداخلية والخارجية..؟!
وهنا لابد أن نؤكد أن الصراع الداخلي والعدوان والتدخل العسكري الخارجي المدمر في الشأن اليمني سيحدث شرخاً كبيراً في العلاقات بين أبناء الشعب اليمني ، ويسري ذلك على مستقبل العلاقات بين هذا الشعب وبين حكومات وشعوب دول الجزيرة والخليج والدول المشاركة في تحالف العدوان ، كما أن ذلك ولد غصة وشعورا بالمرارة لدى شعب اليمن وسيورث حقدا بينه وبين تلك الحكومات والشعوب .. ما يرجوه وينتظره الشعب اليمني الذي يتعرض للغارات الجوية ويرزح تحت القصف الصاروخي المدمر والمستمر منذ 26 من مارس حتى اللحظة ليلا ونهارا أمران الأول : أن يحل المشروع الوطني الحقيقي الذي يخدم مصالح كافة اليمنيين في ربوع اليمن محل المشاريع الأخرى الضيقة المناطقية أو المذهبية أو الطائفية أو غيرها ، الذي يمكن من خلاله تحقيق حلم دولة الشراكة دولة القانون والعدل والمواطنة المتساوية .. والأمر الآخر: مبادرة الشعوب العربية والإسلامية والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والهيئات المحبة للسلام في العالم بالتضامن مع الشعب اليمني لإيقاف هذا العدوان الغاشم على اليمن البلد العربي المسالم الذي ينشد العيش في سلام وأمن وحرية والتعايش السلمي مع جيرانه ومحيطه الإقليمي دون وصاية .. وتلك هي القضية .